الحدث الآخر: فتح مكة

هكذا كان فتحه صلى الله عليه وسلم لمكة وإنعامه على أهلها، ما مسهم منه سوء والنفر الذين قتلوا يومئذٍ فإنما قتلوا بحكم الله لإيذائهم رسوله، وما كان الفتح العظيم إلاّ إيذانًا بأن يعم الإسلام تراب أرض الجزيرة العربية كلها

كنا قبل عدة أيام تحدثنا عن أهم حدثين وقعا في شهر رمضان زمن النبوة، فكان الأول: معركة بدر والتي تحدثنا عنها في مقالنا الأول، وها نحن نفي بالوعد فنتحدث عن الحدث الآخر وهو فتح مكة.
حيث إن قريشًا نقضت العهد والميثاق الذي أبرمته مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما عرف بصلح الحديبية، فكان العهد ألاّ يعتدوا على مَن كان حليفًا للمسلمين من القبائل، فاعتدت على خزاعة التي انضمت يوم الصلح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.


فكان هذا الغدر سببًا في الفتح الأعظم، الذي به زال عن مكة ظلم الشرك وظلامه، فأمر النبي أصحابه بالتهيؤ لدخول مكة، فأعدوا العدة لذلك حيث جهز القائد الأعظم سيدي رسول الله عليه الصلاة والسلام جيشًا قوامه عشرة آلاف مقاتل، وتجهز الجيش بالسلاح والكراع ومضوا لسفرهم نحو مكة في العاشر من رمضان، بدأ سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صائمًا، وصام الناس معه حتى اذا كان بالكديد بين عسفان وأمج أفطر، ثم مضى حتى نزل سر الظهران “بينه وبين الحرم 16 ميلا”.

وخرج معه المهاجرون والأنصار وفي كل القبائل عدد وإسلام تكثر بهم جيش الحق، وقد حرص نبي الله -عليه الصلاة والسلام- على كتمان أمر مسيره إلى مكة حتى عن أقرب صاحب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- كما بعث سرية مكونة من ثمانية رجال إلى أضم مموهًا على قريش حتى لا يعلموا غايته.

وقد دخل الجيش من جهاتها الأربع، والأمر ألاّ يقاتلوا في الحرم إلاّ مَن قاتلهم وللبيت الحرام حرمة فلم يجر فيه قتال إلاّ ما كان اعتراض نفر من شباب قريش واجههم خالد بن الوليد -رضي الله عنه- وقاتلهم حيث أصاب منهم اثني عشر رجلًا، وفرّت البقية، ففي الحديث عن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول “أحلت لي مكة ساعة من نهار ولا تحل لأحد بعدي، وهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة” الحديث، ولهذا كان دخول سيدي رسول الله مكة دون حرب إلاّ ما ذكرنا، ودخلها بغير إحرام وهو يحني رأسه حتى مسّ واسطة رحله تواضعًا، وهو يقرأ سورة الفتح، ولم تر الدنيا فاتحًا مثله -صلى الله عليه وسلم- نادى مناديه من دخل داره فهو آمن، وأكرم زعيم قريش آنذاك أبا سفيان فجعل من يدخل داره آمنًا، ولما جاء القوم يزدحمون عليه، ولا يدرون ما يصيبهم منه، وقد عادوه وآذوه وأخرجوه من بلده، وعذبوا أصحابه، فما كان لهم منه سوى العفو، قال: ما أنا صانع بكم؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم. فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، حتى سمّى مسلمة الفتح بهذا الاسم.

ولما اتجه الى البيت الحرام وقد اطمأن الناس للفتح العظيم، جاء إلى البيت فطاف به وفي يده قوس، وحول البيت الحرام ثلاثمائة وستون صنمًا فجعل يطعنها بالقوس ويقول “جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا”، و “جاء الحق وما يبدئ وما يعيد”. والأصنام تتساقط الواحد بعد الآخر، ورأى في الكعبة الصور والتماثيل فأمر بالصور والتماثيل فكسرت، وأبى أن يدخل جوف الكعبة حتى أخرجت منها، وكان فيها صور يزعمون أنها صورة إبراهيم وإسماعيل وفي يديهما الأزلام فقال صلى الله عليه وسلم: “قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط”.

ثم صلى بالبيت وكبر في نواحيه ثم خرج إلى الناس فخطب فيهم، وأكد لهم معنى قول الله تعالى: “يا أيُّها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقاكم إن الله عليم خبير” وكان مفتاح الكعبة مع عثمان بن طلحة رأس بني شيبة فرده عليه، وقال: “اليوم يوم بر ووفاء خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلاّ ظالم”.

بأبي وأمي أنت يا سيدي رسول الله -صلى الله عليك وسلم وعلى آلك وصحبك، هكذا كان فتحه لمكة وإنعامه على أهلها، ما مسهم منه سوء، والنفر الذين قتلوا يومئذٍ فإنما قتلوا بحكم الله لإيذائهم رسوله، وما كان الفتح العظيم إلاّ إيذانًا بأن يعم الإسلام تراب أرض الجزيرة العربية كلها حتى لم يمضِ عام وبها مشرك. أسلم من أسلم ورحل من رحل وأصبحت ديارنا دار إسلام خالص، بذلك أعزنا الله وجعلنا دعاة هذا الدين وأنصاره، نعلي شأنه ونذود عنه أهل الجهل والأعداء.

وما حرصنا اليوم على أن يكون الإسلام منهجنا، وقانون حياتنا إلاّ وفاء لذلك اليوم العظيم الذي أفاء الله به على مكة أن تكون مقصد كل من آمن بهذا الدين يأوي إليها، ويتعبد في حرمها الآمن، فاحفظ اللهم أمنها وسلامها ما دامت هذه الحياة إنك سميع مجيب الدعوات.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: