الإعلام والترويج لأم سلطان المتطببة

عجبت وأنا أتابع إحدى القنوات الفضائية في برنامج حواري أن أجد امرأة مجهولة الاسم تكني نفسها أم سلطان، وتدعي أنه بإمكانها معالجة التصلب اللويحي، والمؤثر على الخلايا العصبية، وهي خلايا الدماغ والحبل الشوكي التي تحمل المعلومات وتوجد الفكر والإدراك، وتسمح للدماغ بالسيطرة على الجسم، وهو مرض خطير لا يوجد له علاج تام حتى الآن وإن وجدت عدة أدوية لتقليل الهجمات الحادة للمرض.
ولكن أم سلطان ادعت أنها تقضي عليه بلبخات تعدها لا تفصح عن مكوناتها، تعالج بها مرضاها تضعها على مواضع من أجسادهم في جلسات تستمر أربع ساعات، ولمدة تتراوح بين السنة والسنتين، وتقبض من كل مريض ثمنا لهذا العلاج المبتكر ستين ألف ريال.
وقد أحضرت معها للبرنامج شخصين من مظهرهما العام تحكم بأنهما لم يتعرضا قط لهذا المرض أو غيره، يزعمان أنهما قد أصيبا بهذا المرض العضال وشفتهما منه الطبيبة المعجزة “أم سلطان” التي لا تعرف عن الطب شيئا ولا عن هذا المرض الذي هو تصلب للأنسجة متعدد، فشل الطب الحديث حتى الآن في معرفة أسبابه كاملة، وعجز أن يجد له علاجا حاسما، ولكن المتطببة أم سلطان استطاعت أن تجد له الدواء في أخلاط من الأعشاب تصنع منها لبخات تشفي من المرض بكل سهولة.
إنه سادتي حديث خرافة لا أدري كيف سمحت هذه القناة بالترويج لمتطببة جاهلة، وحتى عندما اتصل بالقناة أحد من تعاملوا معها وعرض زوجته عليها وصنعت لها العلاج الذي زاد مريضته سوءا على ما بها من مرض عدوه الحرارة وهي تعالجه بلبخات تزيد المريض حرارة وتضاعف من آلامه. لكن من يقدم البرنامج لم يتح له الفرصة ليفصل الحديث عن تجربته لانشغاله التام بحديث أم سلطان، ومن أحضرت معها شهودا على نجاعة علاجها الذي لا يعرف أحد مكوناته، ولا تفصح عنها، وما ورد على لسانها عن المرض هي معلومات عامة يدركها الجميع.
والترويج لأدعياء التطبيب عن غيرعلم سابق، ولا دراسة للطب في عصرأصبح الطب الحديث المتيقن نفعه موجود يستطيع الوصول إلى العلاج عن طريقه كل الناس في بلادنا وعبر العالم.
والطب البديل الذي يختلف عليه الأطباء اليوم بين رافض له أو من يقبله هو علم اليوم يدرس في كليات للطب عبر العالم، ولا أحد يسمح لغير الأطباء باقتراح علاجاتها فالعلاج عبر الأعشاب وبها معروف في العالم منذ القديم، ولكن لا أحد يقول إن جاهلا يمكن أن يعالج به الناس، ذلك أن الأعشاب لتصبح علاجا نافعا لا بد من إعداد لها يجنب منها ما له أضرار جانبية قد تؤذي المريض، وفي العالم لا يسمحون لكل أحد أن يفتتح دكان عطارة، ثم يدعي أنه يجمع من الأعشاب ما يطبب به الأمراض، فيشفي الناس منها حين يعجز الأطباء عن علاجهم فالأمر جد خطير إذا تركنا الحبل على الغارب لكل من يدعي أنه قادر على علاج المرضى ولا علم له بالطب، خاصة أن التجارب في هذا الباب أثبتت أن هؤلاء الأدعياء المتطببة قد أضروا بالمرضى كثيرا، فكم من مريض وثق بهم وعالجوه بالأوهام والمرض ينخر بجسده، حتى إذا أصبح في حالة متردية انسحبوا وتركوه عرضة لمضاعفات قد تودي بحياته، أو تجعله مريضا ما عاش حيث يصبح علاجه مستحيلا.
ومنذ زمن طويل ونحن ننبه لمثل هذا ونرجو أن تلتفت الجهات الطبية في بلادنا وعلى رأسها وزارة الصحة لمنع هؤلاء من احتراف ما يجهلون، ومعاقبتهم إن تصدوا لعلاج الناس وهم يجهلون الطب.
مثلهم كذلك من يحترفون الرقية فيشترطون للناس الشفاء جهلا بحكم الدين وواقع الطب، منهم من يقدم للناس أدوية مع الرقية، وكثيرا ما يضار منها المرضى، وهؤلاء الذين يتخذون من الرقي وسيلة لابتزاز النساء.
ويجب أن تراجع القنوات الفضائية التي تروج لمثل هؤلاء نفسها فلا تعرض على الناس مثل هذا البرنامج ليروج لامرأة لا تعرف من الطب شيئا وتستولي على أموال الناس بدعوى باطلة أنها تشفي من أمراض عجز الطب الحديث عن علاجها.
نأمل من وزارة الثقافة والإعلام أن تتدخل فتمنع مثل هذا الترويج المضر بالمرضى وتحاسب من يقوم به، فتدخلها هذا في مصلحة المجتمع لا ضده، فهل يفعلون؟ هو ما أرجو والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: