جدة والمرور فيها

لعلنا من الدول التي تزدحم بالسيارات، باستمرار، إذ إننا نستورد من السيارات كل عام أكثر من حاجتنا الفعلية، فنحن شعب نقتني السيارة في أحيان ليست بالقليلة لا لحاجتنا إليها، وإنما لنثبت أننا نستطيع امتلاكها، وإذا كان بعضنا ممن أنعم الله عليه بقدرات مالية فائضة عن الحاجة، فتغيير موديل السيارات كما يغير شكل حذائه، وتلتفت حولك في مدننا فتسجد مقابر للسيارات يتراكم بعضها فوق بعض ويزيد هذا التراكم عاما بعد عام، وسر في شوارعنا فستجد ازدحام السيارات وقوفا وسيرا أمرا لا مثيل له في العالم.
وهذا الوضع يجعل مدننا -وهي قليلة عدد السكان إذا نظرنا لمدن في العالم – تكتظ بعشرات الملايين من السكان، ولكن السير في مدننا أصعب بكثير منه في تلك المدن، ومشاريعنا التي تستهدف التخفيف من ازدحام السير بالعشرات.
وفي مدينة كجدة لها سنوات تزدحم بهذه المشروعات من شق شوارع جديدة ومن توسيعات لطرق متعددة، ومن إقامة جسور، وشق أنفاق، إلا أن كل ذلك لم يخفف من ازدحام السير في شوارع جدة عروس البحر الأحمر التي يعشقها سكانها رغم ما يعانون فيها، وكثير من مواطني هذا البلد الطيب، ولا أحد يدري ما الأسباب.
البعض يقول اسألوا تخطيط المدن على مستوى المملكة فليست جدة وحدها التي لها هذا الوضع، بل لعله لسائر مدننا الراقدة قرب صحارينا الممتدة، ومن قائل إن المشكلة تكمن في التخطيط بصفة عامة، والذي لا يتجاوز غالبا الفعل وردة الفعل عليه، ولا ينظر إلى المستقبل.
ومن قائل إنما هو الفساد للذهاب إلى مشاريع قبل دراسة جدواها، ومن ثم رصد المليارات لتنفيذها، رغم أن التنفيذ يتواضع إلا أن المبالغة في تقدير ميزانيات هذه المشاريع لم تعد تخفى على أحد.
ومن قائل إن المشكلة تكمن في التخطيط المروري، الذي لا يجيده واضعو الخطط في إدارات المرور، والتي تأتي مناقضة لطبيعة الوضع في مدننا وينتج عنه الاختناقات الكثيرة حتى في التقاطعات التي خدمت على الأرض بشكل جيد.
ومن قائل وقد استولى عليه الإحباط الشديد، خاصة وإن كان يعاني آلاما أثناء سيره بالسيارة للانتقال من داره الى المستشفى في أكثر الأيام، والذي يصل إليه أحيانا وقد تضاعف ألم جسده مما يجعله يقول:لا فائدة من التحسن وفي أي وقت ما دام لا أحد يستمع للنقد ويبحث عما يثيره من مشكلات، فالنقد عبر الإعلام مرآة المسؤول، فإذا كان ديدنه نفي كل ما تقوله الصحف، فالإصلاح بعيد جداً.
وعلى كل حال فوضع مدننا وما تعانيه من اختناقات مرورية رغم قلة عدد سكانها، وما تمتلكه الدولة من قدرات على تخطي هذه المشاكل إنما يعود بصفة أساسية إلى سوء التخطيط لمدن نشأت في الأساس دون النظر إلى المستقبل، ودبت فيها فوضى البناء قبل أن تخطط، ثم لم يأتِ التخطيط اللاحق بما يزيل هذه الفوضى، ويعيد للمدن رونقا يدخلها في نطاق المدن الحديثة في العالم.
وكل ما فعله هذا التخطيط هو أنه جارى على الملامح الحضارية لهذه المدن، خاصة منها ما اشتمل على آثار مهمة لعصور إسلامية خلت، وذهب الباحثون عن الآثار يبحثون في باطن الأرض عن آثار لأمم خلت قبل العهود الإسلامية.
فقضى على ذاكرة مدننا ولم تحل مشاكلها المرورية، وبقي الحال على ماهو عليه رغم كثرة مشاريعنا للتغلب على مشكلة الاختناقات المرورية.
ولعل خير مثال على ذلك مدينتنا التي نعشق “جدة” فلم تنجح مشاريعنا في إزالة الاختناق المروري إلا في شارع واحد هو شارع التحلية “محمد بن عبدالعزيز لاحقا” من الشرق إلى الغرب، أما الدخول شمالا وجنوبا فالحال على ماهو عليه.
وجدة هي المدينة الثانية بعد الرياض في الأهمية الاقتصادية والسياحية وهي المعبر للمدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، والاهتمام بها اهتمام بهما.
وهي منذ عشرات السنين تعاني من أزمة في التخطيط والتأسيس لبنية أساسية ناجحة، وإذا لم تعالج الاخطاء في هذا المجال فستزداد جدة ازدحاما ونقصا في سائر الخدمات، فهل نعي هذا؟! هو ما أرجوه، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: