تعدد الأعراق ميزة في المجتمع الإنساني

مما يشير إلى الخير الذي جلبه الإسلام للعرب، أنهم لم يعودوا أمة منعزلة عن باقي الأمم ، فإيمانهم بهذا الدين وتحملهم شرف الدعوة إليه، جعلهم يخرجون من جزيرتهم ليطوفوا في أجزاء كثيرة من هذا العالم، يحملون إليهم الدين، ويرون حضاراتهم ويستفيدون منها، ولعلنا نتذكر أن سجلات المقاتلين وأصحاب الحقوق لم يكن العرب يعرفونها فلما فتحوا فارس وجدوا عندهم الدواوين، فنقلوها إلى المدينة في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولاشك نقلوا أيضاً الكثير مما لها حضارة سابقة كالهند وفارس والروم.
ثم آمن بهذا الدين من كل الأمم جماعات اختلطوا بالعرب فاختلطت الدماء وتداخلت الأعراق، وكل نقل إلى الآخر مما كان لديه من حضارة فاستفاد الجميع، وفي حواضر الإسلام الكبرى كبغداد ودمشق ومكة والمدينة والمغرب والأندلس نشأت علوم ومعارف لها صبغة إسلامية، نقلتها الأمم غير المسلمة عنا، وفي بلادنا وهي الجزء الأعظم من الجزيرة العربية، تدافع إليه المسلمون من جميع الأقطار التي دخلها الإسلام خاصة في مدن الحجاز الرئيسة مكة والمدينة وجدة والطائف وما حولها، فاختلط الناس وتزاوجوا وكوّنوا نسيجاً واحداً له ثقافته وعاداته الاجتماعية، وفي ظل هذا الدين الحنيف انتفت العصبية العرقية أو القبلية، وقد جاء بالمساواة بين الناس فقال ربنا عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ …)، وقال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فالتفاضل بالأعراق والألوان زيف حرّمه الله، ودعا لتآلف الناس ووحدتهم في أوطانهم، فهو دين يرفض العنصرية، التي لا تستقيم معها حياة مجتمع، وإن حضارة هذا الدين جعلت من أهله من غير العرب من يعتمد على علمهم به، بل برزوا حتى في العلم باللغة التي نزل بها القرآن وتحدث بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن العيب اليوم أن تعود إلى مجتمعنا تفاهات الفخر بالعرق أو اللون، بالقبيلة أو الإقليم، ويسيء بعضنا إلى بعض، وقد حرّم الله علينا الإيذاء للمؤمنين حيث يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإثْمًا مُّبِينًا)، وقال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من دعا إلى عصبية أو من قاتل من أجل عصبية أو مات من أجل عصبية)، وقال لدعوى الجاهلية: (دعوها فإنها منتنة). فهذا اللون من التفكير يضاد أحكام هذا الدين الحنيف، ولا يفخر بعرق ولون أو مدينة أو إقليم إلا جاهل بالدين، جاهل بما يخدم الحياة الإنسانية ويوفر لها المعاني السامية، التي تدعو الناس إلى التعاون..
وحينما نسمع اليوم بعض تلك الكلمات العنصرية التي تفرق بيننا وتؤسس لكراهية متبادلة مما يطلقه السفهاء دون وعي، نشعر بأن ما جمعنا لا يمكن أن يكون إلا سبباً لوحدتنا واجتماعنا على الخير، أما هذه الكلمات فهي عودة لجاهلية كان الشر كله فيها، فلعل كل من ينطق مثل هذه الكلمات العنصرية يكف عنها حتى لا يفرق بيننا وقد اجتمعنا بحمد الله على دين حنيف لا يرتضي الله غيره للعباد (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ).

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: