تجارب الحياة يتذكرها الشيوخ

وإنما أعني بالشيوخ في هذا العنوان المرحلة العمرية التي تلت مرحلة الكهولة، والتي عناها ربنا في قوله تعالى: (هَوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وفي قوله تعالى على لسان سارة زوج إبراهيم: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ).
هذه السن التي إذا بلغها الإنسان عادت به الذاكرة إلى كل ما مر به في هذه الحياة من تجارب هي سلوته أيام ضعف بدنه وحواسه، مثل أن يبلغ الثمانين التي عبر عنها زهير بن أبي سلمى حين قال:
سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش
ثَمـانــينَ حَـولاً لا أَبــا لَكَ يَســـأَمِ
والتي قال عنها عوف بن ملحم الشيباني:
إن الثمــانـين وقـد بلـغـتـهـا
أحوجت سمعي إلى ترجمان
وحينما يبلغ الإنسان هذه المرحلة يشعر في وحدته بحاجته إلى الناس خاصة من كانوا له أقرباء يحسن إليهم ويصلهم ويبرهم، لا ليمنحوه شيئًا من المادة وإنما أن يفوا له بتذكرهم إياه وزيارتهم له، كذا من كانوا له بزعمهم أصدقاء، فإذا غاب عنهم نسوه أو تناسوه، وأهم من ذلك أبناؤه الذين أرشدهم الله لرعايته في الكبر فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)، فلا يقصروا في حقه.
ويشتد ألمه عندما يهمله مجتمعه الذي كان فيه عضوًا عاملاً قد بذل أقصى ما يستطيع في خدمته، خاصة من خدموا في مجالات حيوية كالتعليم والأمن والجيش وكذا في كثير من مرافق الدولة المهمة، وترك كبار السن دون العناية بهم والاستفادة من تجاربهم حمق يؤدي إلى أن يخسر المجتمع أفكارًا ورؤى تعينه على إصلاح أوضاعه.
وهؤلاء الذين بلغوا هذه المرحلة من العمر يؤسفني أن أقول إن أغلبهم يعاني من الإحباط في مجتمع تتقطع الأواصر فيه بين الأحياء، عفا الله عني وعنكم وألهمنا الصواب.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

معارك الأحزاب في الغرب

كل نظام سياسي مهما علا في تنظيمه وأشرف عليه سياسيون بارزون لابد له في مسيرته …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: