فضل شهر شعبان

كنا ونحن صغار، إذا تقرَّر في عام صومنا، يبدأ أهلونا في تدريبنا على الصوم في شهر شعبان، نصوم يومًا، ثم نفطر يومًا، أو يومين، حتَّى إذا أهلَّ هلال شهر رمضان المبارك كنَّا قد تعوَّدنا الصوم، وكان الآباء والأمّهات -غفر الله لهم، وأسكنهم فسيح الجنان- يهتمّون غاية الاهتمام على تعريفنا على العبادات، وتدريبنا عليها، حتَّى إذا بلغنا حدَّ التكليف كنَّا قد عرفنا ما كُلِّفنا به، وما تعبَّدنا الله به، ولعلَّ الناس يعودون إلى هذه العادات التي هي -ولا شك- تكاليف شرعيَّة، وشهر شعبان من الشهور التي ندب الله العباد فيها إلى العبادة، وأشهرها الصوم. فسيّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «شعبان بين رجب، وشهر رمضان، تغفل الناس عنه، ترفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلاَّ وأنا صائم»، فهذا العام كله تُرفع أعماله في هذا الشهر، وما أجمل أن يطّلع الله على أعمالنا ونحن له صائمون، قائمون، نرجو ثوابه، ونخشى عقابه. وأمّنا عائشة -رضي الله عنها- تقول: (كان أحب الشهور إليه أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان)، وصيام الدهر مباح له -عليه أفضل الصلاة والسلام- محرّم علينا، فمن أحب الصيام لابدّ له وأن يفطر ولو يومي العيدين، عيد الفطر، وعيد الأضحى، وروى سيدنا أبوهريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (احصوا هلال شعبان لرمضان، ولا تخلطوا برمضان إلاَّ أن يوافق ذلك صيامًا كان يصومه أحدكم، وصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يومًا، فإنها ليست تغمى عليكم العدّة)، ولعل هذا كله يجعل أفضل الشهور للصيام بعد شهر رمضان هو شهر شعبان، وقد كان المسلمون يقولون إذا دخل شهر رجب: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلّغنا رمضان)، لاهتمامهم بما فضَّل الله من الأزمان، وجعلها مواسم للعبادة يتسابق المؤمنون فيه إلى الخير، مثل الأشهر الحرم، ومنها رجب، وشهر شعبان، ثم سيد الشهور رمضان الذي قيام ليله، وصوم نهاره إيمانًا واحتسابًا سبب لغفران الذنوب، فما أجمل أن ينتهز العبد الفرصة فيصوم من شعبان بعض أيامه، ويقوم بعض لياليه استعدادًا لشهر رمضان، الذي تتوق إليه كل نفس مؤمنة لتشهد فيه الخير بأعمال صالحة تدّخرها ليوم لا ينجو فيه إلاَّ مَن فاقت أعماله الصالحة أعماله الأخرى، التي قد يكون منه فيها تفريط، فاجتهاد العبد في الأزمان الفاضلة كهذا الشهر، والذي يليه، وكذا الأيام الفاضلة كيوم الاثنين والخميس، وغرة كل شهر، وأيامه ولياليه البيض، وكالأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، فالعمل الصالح له الدوام عند العبد الصالح، ولكن الأيام الفاضلة تزيده فضلاً، فلينتهزها، ويتميّز شعبان بليلة النصف منه، التي خصصناها بمقالي يوم السبت الماضي، وفقني الله وإيَّاكم للعمل الصالح فيه.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: