فقد أثر تطور الفكر الإنساني

لاشك أن الإنسان في تطوره الفكري ألغى كثيرًا من مفاهيم عصور مضت، استبد بفكره فيها تعصب أدى إلى تنافر بين البشر واقتتال، وأخذ يُؤسِّس لمفاهيم جديدة، أراد أن تكون حماية له من ذلك النوع من التفكير القاتل المعتمد على التعصب، واستطاع إلى حد ما تجاوز فكر التعصب للجنس واللون، وقاد ذلك إلى تأسيس مفهوم جديد، أن أي تعصب من هذا النوع مجرَّم، ويجب معاقبة من يثيره بين الناس، ثم ارتقى الفكر، فرأى أن الأديان كلها إنما هي صلات ممتدة بين الرب وعباده، وليس لأي أحد أن يتدخل فيها، ولكنه رأى تحييد الأديان كلها، فالأوطان لجميع سكانها، والأديان للديَّان وحده، وزعم أنه يُبشِّر بفكر التسامح بين البشر، لمنع غائلة التعصب للدين من أن تقضي عليهم، بعد أن ذاقوا مرارة حروب شرسة من أجل ذلك وبسببه، وإن كان هذا لم يرسخ كفكر شائع في شتى أرجاء العالم، وبقى متعصبون في الشرق والغرب، لم يؤثر فيهم هذا التطور، وبقوا في أماكنهم يراحون أفكارهم كما كانوا من قبل، وبعضهم يُعْمِل أفكار تعصبه فتقع الكوارث الإنسانية في كل مكان من العالم وُجدوا فيه، والآثار ظاهرة في أماكن متعددة في العالم وتتكرر، ويؤسفنا أسفًا شديدًا أن نقول: إن من الزيف أن يتحدث عن التسامح في عصرنا الحاضر أشد الناس تعصبًا لأفكارهم، خاصة الدينية منها في عالمنا اليوم، والذين بتعصبهم صنعوا في العالم فتنًا عظيمة، كان من نتائجها حروب وصدامات أتت على الأخضر واليابس في المناطق التي ثارت فيها، وذلك أنهم لا يعترفون بأي تطور للفكر حدث في هذا العالم الآن أو من قبل، ففي الشرق العربي والمسلم بقيت جماعات تتطرف، وتظهر حينًا بعد الآخر، فتصنع فتنًا تتقن في إجادة عرضها، فيتقبلها من أهل «الشرق الجاهلون والأغبياء»، وتغسل أدمغة المراهقين فيتقبلونها، فيدفعون إلى أتون الحرب المهلكة، وفي الغرب تطوعت السياسة لتكون لعبة في يد الأغنياء لتقضي على نسمات العدل والتسامح التي بدأت تظهر بسبب هذا التطور، وتدفع بما تفعل الكثير من الدول إلى الجنون، فتقع الكوارث بسبب ذلك، ولكنها لامتلاكها قدرات تقنية حديثة تصل من خلالها إلى أن تخدع الناس، فتعلن التسامح وتطالب بالعدل والحرية والمساواة، وهي ما يجد المراقب اليقظ أن سياساتها كلها ضد ما تدعو إليه، حتى ليظن أن ما يجري في العالم من مظالم هي وحدها من تصنعه، وتقود الآخرين إليه، وما لم يستطع العالم أن يتيقظ لهذا بقوة وعي وإيمان، فلن يجني من تطور هذا الفكر الإنساني إلا البوار، فلتحرص الدول والأفراد من العلماء والمفكرين لهذا، حتى يمكننا أن نصد هبّاتٍ جديدة للمتعصبين في شتى المجالات الفكرية، ولتنجو الشعوب من حربٍ شرسة كلما أُخمدت وقتًا، أُشعلت مرَّات في أوقاتٍ أخرى، وانظروا حولكم تجدوا آثارها ظاهرة بيّنة لا تحتاج إلى إقامة دليل.
حما الله الأرض وأهلها ممن يريدون بهم الشر، إنه القادر على ذلك وهو الرؤوف الرحيم.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: