الأمة المسلمة مرحومة هم غالب أهل الجنة

تقرأون حديث الافتراق الذي رواه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قام فينا فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة)، وورد الحديث في روايات أخرى دون قوله «في النار»، أو كلها في النار منها ما رواه أبوهريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، وأخرج هذا الحديث الترمذي وابن ماجه كما أخرجه أحمد وأبويعلي، وقال الترمذي: حسن صحيح، والأول حديث صحيح حتى وإن تكلم البعض في سنده، ولكن فهمه الذي يذهب إليه البعض أن هذه الفرق يعني بها أن جل هذه الأمة هالكة وأن مصيرها النار إلا فئة محدودة العدد، حتى يكاد يقول بعضهم لو لم يكن على الحق إلا واحد فهو الأمة الناجية، وأصحاب الفرق والمناهج كلهم يرجون أن يكونوا هذه الفرقة الناجية أو الفئة المنصورة، وأنها هي التي على ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الزيادة على روايات الحديث، فهو فهم سقيم ولا شك، فلو كان هذا المعنى هو المقصود أن الناجية من النار من هذه الأمة هم الفئة القليلة العدد، وأن كثرة الأمة هالكة، فهذا سينسحب حتى على خير القرون بل ويعم الصالحين من الأمة في كل عصر وأوان، وهذا لا يستقيم أبدًا، ودوما أهل الضلال هم القلة لا الكثرة وإلا لاتهمنا الدين ذاته، ولذا ما جاء في الروايات بأنهم الجماعة أو السواد الأعظم، يدل على أن سائر الأمة ناج، وأن المنحرفين عن منهج الهدى، وهم القلة الهالكة، ففي الحديث الصحيح: (نكمل يوم القيامة سبعين أمة آخرها خيرها)، وقد ورد أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأن يد الله مع الجماعة، وعليكم بالسواد الأعظم ومن شذ شذ في النار، فالشذوذ للقلة لا للعموم، وحاشا أن تكون أمة محمد كلها ضالة إلا فئة قليلة، وفي الحديث الصحيح أيضًا: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا وأوتيناه بعدهم، فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله إليه (قال يوم الجمعة، وغدًا لليهود وبعد غدٍ للنصارى)، وأيضًا في الحديث الصحيح عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في قبة فقال: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قلنا نعم، قال: والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء، في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر، وخص الله أمتنا المسلمة بالعديد من الخصائص، خصت بالخيرية، وهم خير أمة أخرجت للناس، وأنها الشاهدة على الناس، والأمة الوسط (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، وحكم لهم سيدنا رسول الله بأنهم أكثر الأمم دخولًا للجنة، وأن صفوفها كصفوف الملائكة وأن منها سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، وحكم لها سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنها كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره، وأنها أول أمة تجوز على الصراط يوم القيامة وحكم لها بأنها محفوظة من الهلاك والاستئصال، ولو أردنا أن نحصي كل خصائصها لاحتجنا إلى مصنف كبير، ونحن بإذن الله مطمئنون أن جل هذه الأمة مصيرها بإذن الله إلى الجنة، وأن من يشذ منها عن الحق ما هم إلا أعداد قليلة كالشعرة البيضاء تظهر فجأة في شعر الشاب وسائره أسود، وهؤلاء ظهروا في كل عصر وسيظهرون ما دامت الحياة، ولكنهم القلة المهزومة أولًا نفسيًا ثم واقعيًا، فلا قيمة لما يناهضون به الحق، والعصاة دومًا يتخفون ولا يكونون ظاهرين، أما أن يتخذ البعض من النصوص وسيلة للعدوان على المسلمين بأن مصيرهم النار لأنهم لم يتبعوا مناهجهم الفاسدة، فهذا لن يؤثر في الأمة شيئًا، فقد مرت بها جماعات كفرت الأمة، بل وقاتلتها، ولكنها هزمت وشتت الله شملها، وهي اليوم تظهر، وسيكون مصيرها كمصيرهم، والحق باق والباطل زاهق، والمؤمنون مطمئنون بوعد ربهم فهم عاملون بما يرضيه عنهم ومصيرهم إلى الجنة، وبعضهم يشفع لبعضهم الآخر وسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشفع للجميع، وفقني الله وإياكم لما يرضيه.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: