وسائل الاتصال الحديثة بين الإيجاب والسلب

أرى أننا دومًا نندفع في حكمنا على كل مخترَع جديد، إذا ظهر لنا له جانب سلبي، وننسى حتَّى ما تمخض نفعه كالطب، له في أحيان قليلة جوانب سلبٍ، يجب أن يحذرها الطبيب عندما يجري عمليَّة، أو يصف دواءً، ولكن لا أحد أبدًا يقول إن عليه أن يكفّ محاولاته لعلاج البشر، ولكن يُنصح أن يتجنَّب -ما أمكنه ذلك- كل ما فيه للمريض ضرر، كذلك كثير من المخترعات الحديثة لها جوانب سلبية تقدّر بقدرها وتعالج، ولا يمنع ما فيها من نفع للناس، والإنترنت كلّه عند ظهوره هو من هذا القبيل، فإذا أردنا أن نحذر ممَّا فيه من ضرر للأمة فيجب أن نجعل هذا بقدر الضرر، لا يزيد عنه، فلا يأتي على باقي المنافع التي يحتاجها المعلِّمون في التواصل فيما بينهم، وفي إيصال المعلومات النافعة إليهم، أمَّا الهجوم على الجانبين معًا، فضرره أعظم من نفعه، ولا شك، والكل يعلم أنَّه منذ بدأت تقنية الإنترنت هذه، وفوائدها للناس تتعاظم، ولا شك أن بجانب هذا أضرار يمكن اجتنابها، أمَّا التعميم بأنَّ كلها ضرر لإسقاطها بالكليَّة، فهو في ذاته ضرر عميم يلحق بالأمة، وعلينا عندما نتحدَّث عن ذلك أن نبيّن للناس مواقع الضرر وننهاهم عنها، ونبيّن لهم مواقع الاستفادة، وأن التعامل معها مباح، إن لم يكن في بعض الأحوال من الواجبات، فاليوم يتاح للناس عن طريقها الاطّلاع على العلم في مصادره العظيمة، التي إن ذهب طالب العلم أن يتحصل عليها كلها، فلن يستطيع، فأثمانها مرتفعة، وقد لا يكون من المال ما يستطيع به شراءها، ولكنّه يجدها على صفحات الإنترنت مجانًا، وقد يكون بعضها لم يصل إلى بلاده بعد، فيتواصل عبر هذه الوسائل مع إخوانه فيرسلون إليه ما يحتاجه منها، ففوائدها أكثر من أن تُحصى، أمَّا استخدامها من قِبل الإرهابيين، وأهل الضلال فيمكن مقاومته بنشر وعي حتَّى لا يفر الناس ممَّا يقولون، وإلاَّ فإن نشر مثل هذا تم في الماضي دون وجود هذه الوسائل والوسائط، وانتشرت الأفكار الضالة عبر غيرها من الوسائل الكثيرة، وحوربت في الماضي عبر وسائل تماثلها، ويمكن اليوم محاربتها بأشد أثرًا عبر الإنترنت، ونشر فكر معتدل وسطي يقضي عليها لو صلحت النيَّات، وحشد الأكفاء لمنع ضررها عن الناس، أمَّا مجرد الدعوة لإلغاء هذه التقنيات ومنع الوصول إليها، فلا يحقق الغاية أبدًا، بل قد يجعلها تنتشر أكثر، بدعاوى كثيرة حينئذٍ ستنشر، بزعم منع حرية الفكر والنشر والتعبير، وحشد الناس ضد كل مناهضة لها عن هذا الطريق، وهو المستخدم اليوم ضد كل من يحارب انتشار الفكر الضال عن طريقها، فلنحذر هذا فضرره أكبر من نفعه، فهل نفعل؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: