المعالجة الغربية للأحداث في الشرق

دومًا الأمم الضعيفة المقهورة بالقوى الأعظم، يتولَّد عند بعض أهلها ما عرَّفه المفكرون بالانبهار بالغالب، فأنت ترى الأمم التي هزمها أعداؤها، فسيطروا على أهم مقومات الحياة فيها، يتولَّد لديها انبهار بشخصيَّة الأمَّة التي هزمتها، وهذا ما حدث للشرق في مواجهة الغرب، ولم ينجُ منه إلاَّ أمم قليلة، لم تأخذ من الغرب إلاَّ أسباب القوَّة، وما عداها لم تنظر إليها، مثل الأمة اليابانية، فلا تزال الحياة اليابانية شرقيَّة الجذور، رغم ما عانوه من هزيمة الغرب لهم، ولكنَّهم انصرفوا للبحث عن أسباب القوَّة فيه، فاجتهدوا أن يستخلصوها، ثم عملوا عليها حتَّى استطاعوا -في البدء- التفوُّق عليه صناعيًّا، ثم استطاعوا أن يوازنوا به قوَّة عسكريَّة، ولا يزالون يبنون حضارة يابانيَّة تختلف عن الحضارة الغربيَّة، والصين اليوم وقد عانت من قبل هزائم متلاحقة من الغرب، ولكنَّهم لم ينقلوا إلى بلادهم كلَّ حضارة الغرب بكلِّ ما فيها من محاسن ومساوئ، كما صنع غيرهم، واستخلصوا منها العوامل التي دفعت الغرب للانتصار عليها اقتصاديًّا وعسكريًّا، فعملوا عليها حتَّى أصبحت الصين مارد الشرق الذي يخشاه الغرب، بل ويسعى لاسترضائه، أمَّا العرب وقد سبقت نهضتهم كلاًّ من اليابان والصين، وبدأوا يشعرون بتخلّفهم وراء أمة الغرب في منتصف القرن التاسع عشر، لكنَّهم -وللأسف- حتَّى في أقوى دولهم حينئذٍ، وأرسخها حضارةً بهروا بحضارة الغرب، فانصرفوا إلى تقليدها في المظاهر فقط، وفي كل ما لا يبني حضارةً متقدِّمةً، فخسروا حضارتهم التي كانوا عليها، ولم يستطيعوا قط وحتَّى اليوم أن يكونوا كالغربيين في تقدّمهم الحضاري. والأمم المهزومة إذا حاولت تقليد الأمة المنتصرة عليها بلا وعي، انجرفت نحو التآكل الحضاري السريع، حتَّى يؤول أمرها إلى مزيد من التخلُّف، مع أنَّ لدى العرب ما ليس عند غيرهم من الصفات الخلقيَّة، والتي زادها دينهم السماوي «الإسلام» صفاءً، وفيها من المقوِّمات الدافعة للإنجاز الكثير، لكنَّهم قلَّدوا الغرب حتَّى في الابتعاد عن هذه المقوِّمات، فأصبحوا أمَّةً خامدةً لم تستطع أن تنهض حقيقةً، ولا يغرنَّكم ما هم عليه اليوم من القشور الحضاريَّة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ويحتاجون إلى صدمات، كالتي تحدث اليوم في ديارهم؛ علَّهم يفيقون من سباتهم العميق، وهو ما نرجو.. والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: