عمرة المكي بين المؤيدين والمعارضين

المبحث الأول : وجوب الحج والعمرة وفضلهما

وجوبهما :
إن الله أوجب الحج والعمرة على عباده بقوله تعالى : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً , ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)  وبقوله تعالى : (وأتموا الحج والعمرة لله) .
والحج ركن من أركان الإسلام كا هو معلوم في الدين بالضرورة , والعمرة فرض عند الجمهور لقول الله تعالى : (وأتموا الحج والعمرة لله)  ومقتضى الأمر الوجوب ثم إن الله عطفها على الحج ,والأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم لأن الواو لمطلق الجمع قال عبدالله بن العباس – رضي الله عنهما – : “إنها لقرينة الحج في كتاب الله”  وقد أمر النبي  أبا رزين أن يحج عن أبيه ويعتمر لعدم قدرة أبيه على الإتيان بهما لكبر سنه”  وقد سمى رسول الله  العمرة الحج الأصغر في كتاب له إلى أهل اليمن فيما رواه أبوبكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده  وعن الضبي بن معبد قال : أتيت عمر فقلت : يا أمير المؤمنين إني أسلمت وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما فقال عمر : هديت لسنة نبيك  ”  وعن جابر رضي الله عنه مرفوعاً : والحج والعمرة فريضتان”  وهو قول عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر من الصحابة رضوان الله عليهم , وقول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء وطاووس ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي من التابعين , وبه قال الثوري وإسحق والشافعي وأحمد في أحد قوليهما .
ولأن القول بوجوب العمرة هو الأحوط حيث يلزم المسلم أداؤها مما يجعله يخرج بيقين من عهدة التكليف , أما القول بأنها مندوبة لاتجب قد يترتب عليه أن يترك بعض المسلمين أداءها فلا تبرأ ذممهم مما كلف الله به إن كانت واجبة .
وقد ذكر ابن قدامة – رحمه الله – أن القول بوجوبها “قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم نعلمه إلا ابن مسعود على اختلاف عنه ” ثم ذكر أن حجة القائلين بأنها ليست واجبة  حديث جابر – رضي الله عنه – قال : أتى النبي  أعرابي فقال : يارسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي ؟ فقال  : لا وأن تعتمر خير لك” .
والحديث رواه أحمد والترمذي وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف , والراجح وقفه على جابر كما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني  , ونقل ابن قدامة قول الشافعي فيه : هو ضعيف لا تقوم بمثله الحجة , وليس في العمرة شيء ثابت بأنها تطوع , ونقل عن ابن عبد البر قوله : روي ذلك بأسانيد لا تصح , وإذا كان الأمر كذلك فعلى فرض صحته فإنه يحمل على ما زاد على العمرة الواحدة.
فإذا صح وجوب العمرة فهي كالحج تجب مرة واحدة في العمر لأنها قرينة الحج في كتاب الله وإذا وجبت فهي واجبة على جميع المكلفين بشروط الحج المعهودة في الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة .
وإذا وجبت على جميع المكلفين فقد وجبت على المكي كغيره , وإخراجه عن التكليف بها يحتاج إلى دليل ملزم ولادليل , فإذا وجبت عليه , فهي ولاشك في حقه مشروعة وسيأتي التفصيل لذلك في المباحث التالية .
فضلهما :
أما فضلهما فعظيم يدل لذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – المتفق عليه : “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”  ويدل له حديث عائشة رضي الله عنها : “قلت : يارسول الله على النساء جهاد قال : نعم عليهن جهاد لاقتال فيها الحج والعمرة”  ولما روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله  : “تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس لحجة مبرورة إلا الجنة”  ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله  : “من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه” , وقد جعل الرسول  : “أفضل الجهاد حج مبرور”
فالحج والعمرة بنصوص هذه الأحاديث كالجهاد في سبيل الله , ولعل ذلك في الفضل والثواب والذي لاشك فيه أن أفضل الأعمال بعد الإيمان جهاد في سبيل الله , ثم أنهما ينفيان عن مؤديهما الفقر والذنوب , فهما وسيلة الغنى وغفران الذنوب والعمرة إلى العمرة تمحو من الذنوب ما يقع بينهما إذا اجتنبت الكبائر.
فيا لسعادة المؤمن بهذا الفضل العظيم بإتيانه بهذين الفرضين أول مرة ثم تكرارهما تطوعاً لله , ينفي بهما عن نفسه الفقر , ويطلب غفران الرب بهما لذنوبه , ويجاهد بهما في سبيله إنْ عز الجهاد بالنفس أو المال في زمن كثرت فيه الفتن وقلت فيه أبواب الخير .
فإذا كان هذا هو فضلهما فما الذي يحرم المكي من بعض هذا الفضل بالقول إنه لاعمرة له , وإن الطواف يغنيه عنها , مع أن الطواف جزء من العمرة لا كلها ولايمكن أن يقال : إنهما يتساويان في الفضل فالعمرة إحرام وطواف وسعي وحلق أو تقصير وهي عبادات متعددة , فإذا زيد على ذلك خروجه إلى ميقاتها – أدنى الحل أو أبعده – لايخرجه إلا طاعة الله وطلب رضوانه فكيف يتساويان ؟!

عمرة المكي بين المؤيدين والمعارضين

قراءة الكتاب
تحميل الكتاب

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

مقومات التنمية الاقتصادية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية

مقومات التنمية الاقتصادية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الاقتصاد …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: