الصبر على الألم وطلب زواله

مضى عليّ عام بالتمام والكمال، وأنا أعاني آلامًا شديدة في عظام الظهر تمتد آلامها إلى الرجلين، وتحتاج إلى إجراء جراحة عاجلة، تخوفت منها لما سمعته من الأطباء عن حالتي الصحية العامة، ولما سمعته من كثيرين أن العمليات من هذا اللون قد تأتي بنتائج عكسية، فتزيد الآلام عوضًا عن أن تكون سببًا في تلاشيها، ولست بحمد الله ممن يصغي إلى الشائعات، أو لكلام غير المتخصصين، فقد علمت أن من اشتغل بغير فنه أتى بالعجائب، ولكن الألم المتصاعد، والذي قلل حركتي إلى حد بعيد، فأصبح المشي من المهام الصعبة بالنسبة إليّ ولا يتعدى الخطوات المعدودة، وحتى أنى اضطررت إلى استخدام الكرسي المتحرك في تنقلاتي، وأنا على يقين أن الصبر على المرض سنة ماضية في الخلق، خاصة لمن آمن بالله وبالقدر خيره وشره، وكما يقول سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن إصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له)، وقد تعاملت في حياتي كلها مع الأحداث بشكر الله على ما أنعم به علي وما ينعم، وبالصبر على ما قدر، فما الإيمان إلا نصفه صبر، ونصفه الآخر شكر، وأعلم يقيناً ان الابتلاء نعمة من الله على عباده، فيه الاختبار لهم، ويمحصهم به من ذنوبهم، أليس ربنا يقول:(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)، وقد يعظم البلاء على عباد الله المقربين، حتى تمضي على أحدهم الأعوام وهو يعاني الشدة والبلاء، وهو في صبر لا تسمع منه شكوى أو ضجر، إلا ما يرضى ربه، فعظم الجزاء مع عظيم البلاء، فسيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي له الرضا، ومن سخط فله السخط)، واشد الناس بلاءً هم الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، وفي الابتلاء تكفير للذنوب، ومحو للسيئات للدرجة والمنزلة في الآخرة، وأقوى ما يكون العبد صلة بربه عند الابتلاء، فنسأل الله أن يجعلنا من خير المبتلين، وأقواهم صبراً، ولكن هذا كله لا يمنع أن يطلب الدواء وأن يرام الشفاء، بل هو سنة سيد الخلق المصطفى محمد بن عبدالله، نبي الرحمة والرأفة، صلى الله عليه وسلم، فقد تداوى وحثنا على التداوي فقال:(إن الله أنزل الداء وأنزل الدواء، وجعل لكل داء دواء، ولا تتداووا بحرام)، وطلب الشفاء بالتداوي لا يعارض ولا يناقض الصبر، فإنما ندفع القضاء بقضاء مثله، نرقى أنفسنا بقراءة آيات من كتاب الله، ونلزم الدعاء وطلب الشفاء ممن يشفي وهو ربنا عز وجل، ففي كتاب الله على لسان نبيه ابراهيم عليه السلام قوله تعالى:(الذي خلقني فهو يهدين* والذي هو يطعمني ويسقين* وإذا مرضت فهو يشفين)، لذا فقد أدركتني رحمة ربي فصبرت، وشكرت ربي على نعمه، وها أنا اقرر طلب الشفاء بما شرع الله من التداوي بغير الحرام، وغداً الأحد 9/5/1433هـ أسافر إلى المانيا، لتجرى لي العملية التي ترددت سابقاً أن اخضع لها، وكلي أمل في الله أن تنجح العملية، وان يعجل لي الشفاء فهو وحده القادر عليه، وكلي رضا بما يقدره عز وجل، واسأل تلاميذي وأحبابي وقرائي وكل من عرفني ومن لم يعرفني أن يدعو لي بالشفاء العاجل، وأن اعود إلى وطني وأهلي سالماً معافى، وما هذا بعزيز على ربي الذي سبقت رحمته غضبه، والذي دعوته دائما أن يرحمني رحمة تغنيني عن رحمة من سواه، فادعو لأخيكم فالدعاء له بظهر الغيب بإذن الله مستجاب، عفا الله عني وعنكم، ووسعني ووسعكم بعنايته ورعايته، وحفظني وإياكم من كل سوء، داعياً لكم وأنا مريض وعلى سفر بالتوفيق لكم في كل ما ترمونه من نجاح في هذه الحياة وأن يبسط الله عليكم ستره، ويجزيكم عن الدعاء لأخيكم بخير الجزاء إنه سميع مجيب.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: