هيئة التحقيق والادعاء العام

حينما صدر نظام الإجراءات الجزائية في مواده المائتين والخمس عشرون مادة بالمرسوم الملكي رقم م 39 وتاريخ 28-7-1422 هـ, وأنيط تطبيقه بهئية التحقيق والادعاء العام التي أنشأت بالمرسوم الملكي رقم م 56 في 24-1409هـ, تحت الإشراف المباشر لوزراة الداخلية, ورغم أن كثيراً من القانونين يعترضون على تبعية الهيئة لها, وهي تمثل في النظم الأخرى النيابة العامة, ويعتبر رئيسها النائب العام, وأن تبعيتها يجب أن تكون لمؤسسة القضاء, إلا أن صدور الامر بتطوير جهاز القضاء, استبشر بها الناس لما احتوى نظام الاجراءات الجزائية من مواد رائعة في شأن التحقيق القضائي, وكل ماله صلة به من قبض على المتهمين وفق شروط وقيود تحافظ على كرامة المتهم وتعتبره بريئا حتى تثبت إدانته, وتقليص مدة إيقافه فإما أن يقدم إلى المحاكمة العادلة العلنية أو يخلى سبيله ويطلق سراحه, ولكن التطبيق لمواده اعتراها الكثير من المعوقات, فإجراءات القبض والتحقيق في حضور محام في الغالب لم يلتزم بها, وها هو مجلس الشورى اليوم وهو يناقش تقرير هيئة التحقيق والإدعاء العام يشير إلى وجود فساد مالي في الهيئة ووجود تأخير في إحالة المتهمين إلى المحاكم, قد يبلغ أحيانا ثلاث سنوات كاملة, يسجن فيها المتهم دون أن يصدر عليه حكم بذلك, ولو صدر بعد ذلك عند إحالة المتهم إلى المحاكمة حكم بالسجن أدني من هذه المدة, أو لم يستحق السجن أصلا لوقعت الهيئة حينئذ في مأزق نظامي قد يكلفها الكثير, كما لوحظ أن هناك سجناء تنقضى مدة سجنهم التي حكم بها عليهم ويستمر سجنهم بعدها أشهراً, وإذا كانت الهيئة قد أنيط بها مراقبة السجون, وهي من تخالف نظامها وأنظمة السجون بترك المتهمين فيها دون محاكمة, أو استبقائهم في السجن بعد انتهاء مدة سجنهم, فهي فرطت في مهمتها الأساسية قبل الفرعية, ولأن المواطنين قد علقوا الآمال على هذه الهيئة في انتهاء بعض الأخطاء التي كانت تكلف بعضهم سنينا أو أشهر أو حتى أياما من أعمارهم وراء جدران السجون لمجرد إهمال أو تقصير يصدر عن موظف لم ينظر في ملفات قضاياهم ليعرف هل صدر ضدهم حكم يستحقون به هذه السجن, أو أنه قد صدر عليهم حكم بسجن مدة محددة وانقضت, ولأن آليات التقاضي تطورت في شتى بقاع الدنيا, فإن وجود الهيئة ونظام الإجراءات الجزائية في بلادنا صورة واضحة للرغبة في تطوير هذه الآليات, ولا نحتاج إلى شيء في هذه الصدد سوى التطبيق الأمين للنظم, ولو أننا طبقنا نظام الاجراءات الجزائية منذ صدوره بأمانة تامة ونزاهة مأمونة, وحرص على أن لا ينال أحد عقوبة إلا بنص نظامي كما هي القاعدة الدستورية في نظام الحكم, لاختفت كثير من مشكلات الموطنين في السجون, ولما تعرضون لظلم هم لا يستحقونه, ونحن مع أن تدعم الهيئة بالمخصصات المالية الكافية المزايا للعاملين فيها التي تجلعهم في غير الحاجة لأحد, فعملهم قضائي صرف, وهم يلتحقون بالسلطة القضائية, وحتى يقوموا بعملهم ذا الخصوصية والحساس لا بد وأن نفي لهم بما يجعلهم مستقلين تماماً لا تؤثر فيهم السلطة التنفيذية, وأن يأهلو لعملهم الرائع هذا جيدا بدورات تدريبية, ولا بأس من إنشاء معهد عالي لهم, يستجلب له الخبراء القادرين على تطوير عمل الهيئة التطوير الذي يجلعها تقوم بمهنتها القضائية على أكمل وجه, وعلينا ألا نخجل من أن الخبراء في آليات التقاضي الحديثة لا نجدهم في مؤسستنا القضائية اليوم, ولا بأس ان نستفيد من خبرات غيرنا في هذا المجال, وقد سبقنا إلى هذا دول عربية وإسلامية لها نفس ظروفنا, ولكنها سعت إلى التطوير واستفادت من خبرات الأمم الأخرى, فنحن في أمس الحاجة إلى تحديث وتطوير مؤسساتنا القضائية والحقوقية, و لا نزال نحتاج إلى مزيد من الدراسات الجادة والواعية في هذا المجال, ويهون كل أمر في هذا السبيل, مادامت الغاية تحقيق العدل في هذا المجتمع الطيب, فمع العدل تستقر الأوضاع, وينمو الاقتصاد, وتتقدم الأوطان, وبفقده تزداد الفتن والشرور, وأنا على يقين أننا جميعاً حكاما ومحكومين ننشده ونسعى إلى أن يسود بيننا في بلادنا, وحتماً ما دامت الرغبة موجودة, فتحقيق ذلك يصبح أمراً سهلا وميسورا فهل نفعل؟ هو ما أرجوه والله ولي التوفيق..

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

الحديث عن الحجاز وغاياته

إن الحديث عن عبادة للقبور في الحجاز ومنه المدينتين الطاهرتين مكة والمدينة هو حديث موهوم …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: