الجهاد والحرابة والإرهاب

من يدّع أن المسلمين قد كفروا وأنه يجب أن يجاهدوا ليعودوا إلى الإسلام فهو جاهل لا يُتّبع ولا يُقبل قولهُ

هذا العنوان مكون من كلمات ثلاث بينها تشابه في عرف البعض, وهي في نسق الكلام المسؤول متباينة لا صلة بينها, فالجهاد فريضة إسلامية كلف بها من آمن به وبكتابه (القرآن العظيم) وبرسوله – صلى الله عليه وآله وسلم – ويعرفه علماء الإسلام:بأن أصله لغة:المشقة وشرعًا أو اصطلاحًا: هوبذل الجهد في قتال العدو, ويطلق أيضا على مجاهدة النفس, ومجاهدة وسوسة الشيطان سواء أكان من الجن أوالإنس, وجاء في الكتاب ما يحث عليه فقال ربنا عز وجل(هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم* تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون), وفي السنة يقول نبينا عليه الصلاة والسلام (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد) فالجهاد فريضة أمر الله بها وجعل جزاءها الجنة, وقرنها بالإيمان به وبرسوله – صلى الله عليه وسلم – لأن أعلى درجات الجهاد قتال العدو, وفي هذا إزهاق للروح فلا يقدم على هذا إلا مؤمن صادق الإيمان, ولكن الجهاد درجات بحسب استطاعة المكلف فهو جهاد بالعلم, وجهاد بالمال ثم جهاد بالنفس, وله ولا شك شروط وهيئات لا بد من العلم بها قبل ممارسته, والجمهور على أنه لا يصح جهاد بالقتال إلا في ظل راية إسلامية لا حمية ولا جاهلية, وما استجد من صور تعرض على العلم الشرعي فما قبله منها فهي صحيحة وما لم يقبلها فلا يتعبد بها, بل إتيانها جهل وبُعد عن الله, فمن يدعي أن المسلمين قد كفروا وأنه يجب أن يجاهدوا ليعودوا إلى الإسلام فهو جاهل لا يتبع ولا يقبل قوله, فالذين يخرجون على الأمة بالسلاح هم خوارج لا مجاهدون وأعظم الخطأ أن يطلق عليهم هذا اللفظ فليسوا بمجاهدين ولا جهاديين, وإنما هم خوارج معلوم حكمهم في الإسلام لمن ظفر بهم أن يقتلهم حتى لا تشيع الفوضى في بلاد المسلمين, وقد يكون بينهم من ينتهج مسلك المحاربين, الذين يخرجون على المسلمين بالسلاح لغرض أن يرعبوهم ويخوفوهم, وقد عرفت الحرابة لغة بأنها مأخوذة من حَرِبَ حَرَبًا: أي أخذ جميع ماله, وهي شرعًا:البروز لأخذ مالٍ أولقتالٍ أولإرهابٍ مكابرة اعتمادًا على الشوكة, والملاحظ هنا أن المحارب يبرز إلى الناس حاملًا السلاح ليرعبهم ويخيفهم بغرض أخذ المال منهم عنوة أولقتل واحد أو أكثر, في حالة بعد المعتدي عليه ممن يغيثه من رجال الأمن مثلًا أوجماعة من الناس يمنعونه, وقد يسميها البعض (قطع الطريق) والأصل في حد المحاربين وقطاع الطرق قول الله عز وجل:(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أويصلبوا أوتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أوينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) وتختلف عقوبتهم باختلاف الجرائم التي ارتكبوها:
1- من قتل منهم وأخذ المال معًا قتل وصلب حتى يشتهر أمره فتكون عقوبته رادعة لغيره, وينقل بعض العلماء الإجماع على عدم جواز العفوعنه.
2- من قتل منهم ولم يأخذ المال قتل ولم يصلب.
3- ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف في آنٍ واحد.
4- ومن أخاف الناس والطريق فقط ولم يقتل ولم يأخذ مالًا نفي في الأرض وشرد وطورد حتى لا يترك يستقر في بلد نكاية به.
وهذه العقوبة على شدتها وإن لم تطبق دائمًا لكنها استطاعت أن تخلق مجتمعًا آمنًا في الدولة الإسلامية عندما كان لها وجود, أما الإرهاب وإن لم يكن له تعريف متفق عليه إلا أن في الحرابة شبهًا به, فالارهابيون هم ولا شك أناس لا قلوب لهم ولا أخلاق لهم أودين, هم قوم تعطشوا للدماء فما أن تتاح لأحدهم فرصة أن يرى الدم يسيل على الطرقات إلا وانضم إلى عصابته التي لم يعد لها وظيفة سوى القتل, حتى أننا نرى أفعالهم البشعة فلا تجعل في قلوبنا لهم رحمة لهم إذا استطعنا الانتصار عليهم, ولعل أقرب تعريف للإرهاب ما ساقته المحكمة الجنائية الدولية والذي اعتمدت فيه على عدة صور لهذا الإرهاب يجمعها استخدام القوة لإحداث تغيير سياسي أوغيره عن طريق القتل العمد, وهذا يشمل صورًا متعددة حين تقول:(الإرهاب هواستخدام القوة أوالتهديد بها من أجل تغيير سياسي, أوهوالقتل العمد والمنظم للمدنيين أوتهديدهم به لخلق جومن الرعب والإهانة للاشخاص الابرياء من أجل كسب سياسي, أوهو الاستخدام غير القانوني للعنف ضد الأشخاص والممتلكات لإجبار المدنيين أوحكوماتهم للإذعان لأهداف سياسية) وهذا العنف عرفه شرقنا المسلم منذ أمد بعيد عندما ظهرت تلك الجماعات التي تقتل الخلق إذا لم يوافقوا على ما تعرضه عليهم من أفكار أو اجتهادات, وقد قاد الخوارج هذه الجماعات قديمًا, وظهر لهم في عصورنا المتأخرة عدد من الجماعات العنفية مثل هذه الجماعات التي تنوعت مسمياتها وجمع بينها جميعًا الادعاء بالإسلامية, واحترافها العنف فهذه الجماعة الإسلامية وكأن لا أحد غيرهم إسلامي أومسلم, مثل جماعة الإخوان المسلمين وكأن الإخاء الاسلامي لا يكون إلا منهم وبينهم, والغريب أن الجماعات التي اتخذت العنف وسيلة لإقناع الناس بفكرها مثل هذه الجماعة المسماة إسلامية وجماعة الجهاد, وجماعات الدعوة السلفية, وغيرها من الجماعات كلها قد خرجت من تحت عباءة الجماعة الأم وهي جماعة الإخوان المسلمين, والأشد غرابة أن تجد دعاواهم الباطلة في بعض جامعاتنا قبولًا, فيروجون لها بين التلاميذ حتى أننا وجدنا أن مراهقينا قد اكتسبوا من الصفات أردأها فأصبحوا لا يقدرون أحدًا وكل من يظنون أنه يختلف معهم يوجهونه بالسباب والشتائم وبالبذاءات من كل لون ولا يستثنون أحدًا, وإذا لم ننتبه لمثل هذا ونضرب على أيديهم حتى لا يتحولوا إلى شداة ذم يفترون على الناس, فلن يستقر مجتمعنا إلا إذا حاسبنا كل مخطئ على خطئه فهل نفعل هو ما أرجو والله ولي التوفيق

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: