“الشريف” لـ”سبق”: شبابنا إما متشدد يحرم كل المباحات أو ملحد يزدري الدين

– من يقول إنني لا أصلح للإفتاء غير عاقل.. وأتحدى وجود تجاوزات فكرية في مجلسي العلمي.

– قيادة المرأة للسيارة لا نص فيها ولا إجماع ولا محرم وهي فعل باق على البراءة الأصلية ومباح.

– “أبو عقيل الظاهري” ظالم اعتدى عليَّ بالبذاءات.. والشيخ “الدويش” عاجز عن مجادلتي.. و”العرفج” كاتب جاهل يعاني أزمة نفسية.

– من عجائب الزمان أن تتعثر التنمية وتغرق المدن في مجتمع موارده المادية كبيرة.

– تساؤلات وتشكيك مقهى “الجسور” ومنتدى “صمود” في الثوابت الإسلامية شيء لا أعلمه.

– الهيئة ينقصها القانون والثقافة وحماية الأخلاق وعدم تتبع عورات الناس.

– ألفاظي قاسية في “تويتر” لكي أرد على ما وجهوه لي من سباب وشتائم واتهامات.

– عندما أقرأ مقالاً فيه مديح زائد للمسؤول أو أقرأ من يرى النقد خيانة وطنية.. أقول هذا إعلام فاسد.

– لابد أن يفرض على أغنيائنا حقاً لفقرائنا يدفعونه قسراً حتى لا نرى هذه المظاهر الفقيرة.

– الجماعات الإسلامية منحرفة وترتكب أكبر الكبائر بعد الشرك بالله وتقتل الأنفس عمداً دون وجه حق.

– الربيع العربي تحول من التغيير إلى الأفضل إلى تنازع مسلح على السلطة وساحات قتال.

– التزيف والتزوير وشراء الشهادات الأكاديمية هو المحرك الأساسي للفساد.

– الحوار الوطني لم يعد حواراً فكرياً حقيقياً ولم يحل معضلة الكراهية التي تتراكم.

أجرى الحوار/ شقران الرشيدي- سبق- الرياض: يقول الباحث والمفكر الإسلامي عبدالله فراج الشريف إن البطالة, وتعثر التنمية, وأزمة الهوية هي أبرز ما نعانيه حالياً في المجتمع, وأن التقاعس عن حلها خطر عظيم على مجتمعنا, و هي من عجائب هذا الزمان الذي نعيشه, مؤكداً في حوار مع “سبق” أن إصدار بعض بيانات مطالبات الإصلاح هو وسيلة مقبولة لتوجيه النصيحة للمسؤولين, موضحاً أن أغلب شبابنا إما يتبعون أهل الغلو والتشدد في الدين ويحرمون كل المباحات, ومنهم من انحرف فظن أن هذا الغلو والتشدد هو الدين فكفر به أو ألحد وازدرى الدين.. كما تناول الشريف في حواره قيادة المرأة للسيارة, والصحافة السعودية خلال 30 عاماً, وحب الوطن, ومعاركه الفكرية مع عدد ممن خالفوه الرأي, والتجاوزات الفكرية في مجلسه العلمي, وأهم قضايا المجتمع السعودي الأخرى.. فإلى تفاصيل الحوار:

** روي عن الرسول – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ ” على من ينطبق هذا الحديث الشريف في هذه الأيام؟
الإيمان بهذا الدين يوجب عملاً بأركانه وفرائضه, وأخطر ما يتعرض له الإنسان من المعاصي إنما يوقعه فيها لسانه, لذا أوجب الله علينا أن نصون ألسنتنا عن كل ما حرم الله مما ننطق به, واليوم الناس يتهاونون في هذا الأمر, فيطلقون ألسنتهم بالقول بكل ما حرم الله من إنكار ما ثبت بالضرورة من أحكام الدين, الذي أصبح كل يدعي العلم به, وهو في الحقيقة جاهل بحقائقه, كذلك من يطلقون ألسنتهم في أعراض الناس بالسب, والشتائم, وفاحش القول, وكل البذاءات, وبعضهم وهو يفعل هذا ادعى تديناً بل يرى أنه الداعي إلى الله الذي يصون الدين ويدافع عنه, وهنا مكمن الخطر على هذه الأمة التي تفقد يوماً بعد يوم قيمتها وأخلاقها وآداب دينها.

** باحث ومفكر إسلامي نشط, ومدرس لغة عربية سابق, وإداري معروف.. أي الصفات السابقة طغت على شخصيتك أكثر؟
لعلك تبالغ في أوصاف أضفيتها عليَّ, ولكني كل هذا, البحث, والفكر, والتدريس, والعلوم, وعلوم الدين واللغة العربية, والإدارة بعض الوقت.. لكن ما أظل حتى يأتيني الأجل أفخر به وأراه حرفتي الأصلية أني معلم, وقد تمسكت بهذا طوال مدة خدمتي البالغة 34 سنة, وواصلت بعدها هذا العمل حتى يومنا هذا خارج المدارس والكليات بعد تقاعدي.

** جمعت في تلقيك العلم والمعرفة بين الطريقة الأكاديمية وبين حلقات الدرس على أيدي العلماء والمشايخ.. بماذا خرجت من هذا المزج المعرفي؟
أظنني قد خرجت من هذا بأطيب الفوائد, فما نقص من الدراسة الأكاديمية المحدودة بالزمان المرتبطة بالقدر من المعلومات مده ملازمة العلماء في حلقاتهم وخارجها, فقد لازمت منهم من استقصيت علمه في تخصصه فنفعني الله بذلك نفعاً عظيماً, فقد قرأت لشيخين جليلين أيام طلب العلم, الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار, والشيخ صالح العلي الناصر, وقد جمعت بحمد الله بين منهجين بسبب ذلك.. منهج علماء الحجاز قديماً, الذي عرف باعتداله ووسطيته, ومنهج علم علماء الدعوة, وما فيه من حرص على تنقية الدين من الشوائب حسب فهمهم للدين.

** إن سألتك عن حب الوطن.. كيف في رأيك يقاس الانتماء إليه في هذا الزمن؟
لا أشك لحظة أن محبة الوطن مما حث عليه الدين, وهو فطرة في كل البشر, وتقاس محبة الوطن بالعمل الدؤوب المخلص له, والدفاع عنه بكل ما يملك الإنسان حتى بروحه التي بين جنبيه إذا استدعى الأمر ذلك.

** على حسابك في “تويتر” كتبت تعريفاً عنك: “تربوي سابق, وكاتب متخصص في العلوم الشرعية, كلمة الحق غايتي, الإصلاح أمنيتي”.. ولكنك ترد على منتقديك بتغريدات لا تتناسب مع صفاتك التربوية؟
ما كتبته تعريفاً لي واقع, فأنا معلم سابق أمضيت في خدمة التعليم العام والجامعي 34 سنة, وأنا حاصل على ليسانس في الشريعة الإسلامية وماجستير في الفقه وأصوله, ثم الاقتصاد الإسلامي, ولا أحمل الدكتوراة لأني بعد أن عدت للجامعة للدراسة العليا حصلت على الماجستير بامتياز, ولكني اكتشفت أن الدراسة العليا لن تزيدني علماً حسب أسلوبها المتبع, فأعرضت عن مواصلتها بعد الماجستير, ولعل البعض يصر على تلقيبي بالدكتور لأني كنت مدرساً بكليات المعلمين, ورئيس قسم في إحداها, أما أن كلمة الحق غايتي فهي بإذن الله كذلك, وسعي للإصلاح معروف عني في زماني كله, أما أني أرد على منتقدي بألفاظ لا تناسب وصفي, فأستمحيك عذراً فهذا غير صحيح, فمن أرد عليهم بألفاظ قاسية لو استحضرت ما وجهوه إلى من كلمات فلن تجده نقداً لأفكاري, إنما سباب وشتائم واتهامات, ما أنزل بها من سلطان, فلا رد عليهم إلا بلفظ يلجمهم, ثم بعد ذلك أحظرهم, فلا يعود له معي حوار أبداً, وتابع من يحاورني حول أفكاري فتجدني أقدرهم, وأحاول إقناعهم بما أقول لأني أراه صوابا, فإن لم يقبل اعتذرت إليه, وقلت إن الاختلاف لا يفسد للود قضية.

** شاركت مع آخرين في إصدار بعض بيانات مطالبات الإصلاح, فهل توقيع البيانات الكثيرة وسيلة مقبولة لتوجيه النصيحة للمسؤولين؟
هي اجتهاد مخلصين لله ثم للوطن, وما دامت تسليماً بقيادة الوطن, ولا يقصد منها سوى الإصلاح فهي نصيحة مقبولة, لكن عندما رفضت وأصبح المضي فيها لا يفيد تركها من كانوا يعدونها, وإنا لنرجو أن تقبل النصيحة التي تُسَرُّ لهم, ولا يلقى الناصح شططاً, فالناصح مؤتمن, ولا تثريب عليه إن أخلص.

** يتردد أنه في مجلسك العلمي الذي تعقده في بيتك يتداول فيه بعض التجاوزات الفكرية.. ما تعليقك؟
هذا المصطلح فضفاض “تجاوزات فكرية”, لا أعرف له دلالة واضحة, مجلس العلم يسمع فيه مرتادوه علوماً دينية بحتة, ففيه قرأنا الصحيحين, وموطأ الإمام مالك, وشمائل الإمام الترمذي, كما قرأنا للقاضي عياض “الشفا في حقوق المصطفى”, ويدرسون فقه الإمام الشافعي, وأصول فقهية, فقل لي كيف يتأتى هذا التجاوز الفكري؟ وما يتردد في المجلس إلا علما شرعياً عن الله وعن رسوله وعن أعلام علماء الأمة, فهذه المقولة التي تحدثت عنها لا أساس لها من الصحة.

** هل قضايا البطالة وتعثر التنمية وأزمة الهوية الوطنية هي أبرز ما نعانيه حالياً؟
ما ذكرت كله مشكلات في مجتمع يقوم فيه وافدون بالعمل في شتى المجالات بالقدر الموجود في بلادنا, وهذه معضلة, والتقاعس عن حلها خطر عظيم على مجتمعنا, وتعثر التنمية في مجتمع موارده المادية كبيرة وكثيرة من عجائب هذا الزمان الذي نعيشه.. فأن تغرق مدننا عقب كل مطر, وتتضرر, ويكشف ذلك عن عدم وجود بنية تحتية حديثة وقوية .

** الإسلام دين السلام والمحبة بين البشر, إلا أن هناك جماعات منحرفة تدعى أنها إسلامية تنتهج العنف والتفجير والإرهاب وتخطط له.. كيف تفهم هذا التناقض؟
فهم الإسلام فهماً صحيحاً هو ما يسهم في قوة الدين ووضوحه للناس لذا كان الرعيل الأول من صحابة سيدي رسول الله يجتذبون الناس إلى الدين بمجرد التزامهم بأحكامه وانطباق سلوكهم على ما جاء به ودعي إليه, والحال يختلف حينما يكون المسلمون يدعون بألسنتهم إلى شيء هم لا يطبقونه في حياتهم, أو يطبقونه خطأ, وهذه الجماعات ترتكب أكبر الكبائر بعد الشرك بالله والظلم, وهو قتل الأنفس عمداً دون وجه حق, وبين هذا وبين الإسلام بون شاسع, وهو الفهم الأسوأ لهذا الدين, الذي أساء إليه أهله, ما لم يجمع المسلمون على حرب هذه الجماعات وردهم إلى الدين دعوة أو حرباً فهم يفرطون في دينهم ودنياهم.

** كتبت في مقال: “هذا عصر الزيف, فالناس يشترون الشهادات العليا دون أن يدرسوا ويتعبوا أنفسهم, وأساتذة الجامعة يشترون بحوثاً يقدمونها للترفيه”, فهل الأمر تحول إلى ظاهرة في المجتمع الأكاديمي؟
مقولتي هذه إنما تكشف عن واقع ممارس في مجتمعنا, ووجوده خطر علينا عظيم, حتى وإن تمثل ظاهرة, والزيف والتزوير شأنه عظيم إن لم نلتفت إليه ونحاول إيقافه, فهو المحرك الأساسي للفساد, فمن يريد شراء مكانة وجاه فقط عن طريق المال, وهو لا يبذل جهداً للوصل إلى ما يريد, فهو من يظن أن المال يحقق له كل ما يريد, فلا يهتم بما يضر الناس في سبيل تحقيق مصالحه, وهو أمر ملاحظ مشاهد اليوم لدى كثير من الناس.

** حسناً.. معاركك الفكرية مع أبو عقيل الظاهري فيها الهمز واللمز بأقذع السباب والشتائم.. ما أسباب اشتعالها بهذا الشكل الغريب وعلى ماذا اختلافكما “الشرس”؟
لا.. ليس فيها شيء من ذلك.. بل فيها الصراحة للكشف عن واقع قد يخبئه أحدنا أن يظهر, وهو في حياته الأثبت والأظهر, وأنا بطبعي أنفر من السباب والشتائم, وأراها في شرع الله محرمة, ولكن إذا استهدفني أحد بها فربنا عز وجل أباح لنا أن نرد العدوان بمثله, أليس يقول الله عز وجل: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم), ونحن في زمان يظن فيه أهل البذاءات أن أهل الفضائل عاجزون عن الرد عليهم, ولا بد من إلقائهم أحجاراً تمنعهم من التجرؤ عليهم, فأنا في عمري كله لم أبدأ أحداً بعدوان أبداً, أما من يعتدي على ظلماً فأرد ظلمه بما استطعت, فأنا كريم النفس عزيز لا أرضى لنفسي أن تذل أو تهان, ومن المستحيل أن يطلب من المظلوم قبول الظلم.

** هاجمت مقال الشيخ إبراهيم الدويش في تحريمه قيادة المرأة للسيارة, وملت للإباحة وفق ما جاء في الكتاب والسنة دون النظر للإجماع والقياس.. لماذا لم تأخذ بهما؟
قيادة المرأة للسيارة لا نص فيها, ولا إجماع, ولا محرم, ولا مبيح, فهي فعل باق على البراءة الأصلية مباحاً, فلم يرد لا نص ولا إجماع يوجب ذلك أو يحرمه, والمسألة ليس فيها قياس صحيح, فالقياس لهذه الواقعة لابد له من أصل يبنى عليه ورد بحكمه نص ظاهر, وهو ما لم يحدث, والناس يستعجلون في كثير من الأحكام الاجتهادية فيقولون: أجمع الناس على كذا, ونبحث فلا نجد أن في المسألة إجماعاً أصلاً, وقد قال الإمام أحمد بن حنبل, رحمه الله: “لا تقل إن الناس أجمعوا لعلهم قد اختلفوا”, وقال: من قال أجمع الناس فقد كذب, والإجماع الملزم هو الإجماع الصريح, وهو قل أن يتحقق, ولكن كثيراً ممن يتحدثون عنه لا يعرفونه, ولا يعرفون القيود التي يتحقق بها إذا توافرت, وكثير من الناس لو طلبت منه أن يذكر لك من نقل الإجماع في المسألة التي ادعى الإجماع فيها لعجز عجزاً تاماً.

** كذلك هاجمت في عدة تغريدات على حسابك في تويتر الكاتب أحمد العرفج وقلت: “لم يكن حجازياً ولم يعد نجدياً, وإنه أشهر الناس غدراً بأصدقائه”.. ما الذي يستفزك فيه وحوله؟
لا يستفزني أبداً الأستاذ أحمد العرفج, ولم أهاجمه قط إلا بعد أن هاجمني بلا سبب معقول, فالمرة الأولى التي اختلفنا فيها كان بعد صدور مجموعة شيخ نقادنا الأستاذ الكبير عبدالله أحمد عبدالجبار, والتي ظلت بعيدة عن أيدي الأدباء والنقاد زمناً طويلاً, والتي أعددتها مع أخي الأستاذ الكبير محمد سعيد طيب للنشر, وبتمويل من معالي الشيخ أحمد زكي يماني, وزير البترول والثروة المعدنية السابق, والرمز الكبير في منطقتنا هنا في غرب البلاد, وكان الأستاذ “العرفج” قد كتب مقالاً عن الأستاذ عبدالله أحمد العبدالجبار, وهو لا يعرف عنه شيئاً, ولم نضمنها المجلد الذي جمعنا فيه أهم ما كتب عن الأستاذ من كبار مجايليه, وتلاميذه, ومن له صلة به, ولم نرد في هذا شيئاً يغضب الأستاذ “العرفج”, وفاجأنا بهجوم على المجموعة وناشريها دون مبرر, لكن له مقالاً لم ينشر فيها, وأحسست يومها أنه يعاني أزمة نفسية فكلانا, أعني الأستاذ محمد سعيد طيب وشخصي الضعيف, من أصدقائه وأحبائه كما يزعم, واضطررت حينها للرد عليها رداً حاسماً, ثم عادت الأمور إلى مجراها الطبيعي بيننا, حتى فاجأني مؤخراً وأنا في رحلة علاجية في أوروبا, بعد طلب منه التعليق على إحدى مقالاتي في برنامج “يا هلا” الذي يقدمه الأستاذ علي العلياني, وهو صديق أيضاً, فإذا به يترك التعليق على المقال على أهميته ويتناول شخصي بالتجريح, ولم أجد لذلك مبرراً سوى حقد دفين استقر في نفسه منذ الاختلاف الأول, فكانت تلك التغريدات, ثم مقال لي بجريدة المدينة لبيان سوء تصرفه, وإن عاد عدنا فلا يقبل الضيم إلا ذليل, ومن يعتدي عليَّ دون أسباب فأنا له بالمرصاد, وليس في هذا إلا إنصاف للحق والعدل.

** بعد ثلاث سنوات من الربيع العربي وتحولاته.. هل أصبح ربيعاً عربياً كاملاً أم جفت أغصانه وذبلت ونبتت فيه الحشائش والأشواك السامة؟
الربيع العربي تسمية غريبة للثورات العربية التي تلاحقت من ثورة تونس, وقلد بعضها بعضاً, وهذه الثورات لها دوافع حقيقية على أرض الواقع, وهو الاستبداد الممارس في عدد من أقطارنا العربية, ولكن ما أقدم عليه الناس بفطرتهم بالمطالبة بالإصلاح عبر تلك المظاهرات الكبرى استطاعت قوى أجنبية, خاصة في الغرب, وقوى داخلية لم تؤيد هذه الظاهرة استغلالها لتحقيق أطماع كانت مختفية للاستيلاء على حكم هذه البلدان, وتطبيق مناهج عليها لا ترضاها, لهذا تحولت من ثورات من أجل التغيير إلى الأفضل, إلى تنازع مسلح على السلطة, وأصبحت هذه البلدان ساحة قتال يدمر فيه عمرانها, وتزهق فيه أرواح سكانها, وتنتشر الفوضى في ساحاتها, وكأن الأمور لن تهدأ إلا إذا حصل الطامعون على ما يريدون أو عندما ينهك الجميع فلا يعد للقتال معنى, وأسأل الله عز وجل أن يرد هذه الأمة إلى صوابها, فتعرف مصالحها وتسعى إليها, وتدرك مرامي أعدائها وتصدها عن تحقيقها.

** هل يوجد لدينا ما يسمى بلوثة فكرية جعلت الكثير من الشباب ينحرفون عن عقيدتهم ويزدرونها علانية؟
الحقيقة أننا نعاني في أغلب شبابنا انحرافات عدة, فمنهم من انحرف فكره فاتبع أهل الغلو والتشدد في الدين, حتى أنه يحرم كل المباحات إلا ما ندر, ويكفر كل من يختلف معه, وقد يجعله ذلك يلتحق بالفئة الضالة المكفرة المعجزة, ومنهم من انحرف فظن أن هذا الغلو والتشدد هو الدين, فكفر به أو ألحد, وازدرى الدين وهو ظالم لنفسه, ولعلهما ظاهرتان إحداهما تعزز الأخرى, ولا بد لنا من خطة تربوية وفكرية تعيد شبابنا إلى جادة الصواب, وما ذلك بعزيز على أهل العلم والفكر والثقافة.

** يقال إن مقهى “الجسور” ومنتدى “صمود” الشهيران في جدة يجمعان الشباب لتقديم دروس التشكيك في الثوابت الإسلامية تحت ذريعة تساؤلات العقل, ورغم علمك بذلك لم تعترض على تلك الممارسات, ولم تكتب عنها, فما صحة ما يقال عنك؟
هذان التجمعان لم أعلم بهما, ولم أعرف من روادهما, وما قرأت لأحد منهم شيئاً إلا نزراً يسيراً مما ثار حول الأستاذ عبدالله حميد الدين, ولم ترق لي أقواله التي نقلت لي, ولم أسمع منه مباشرة شيئاً أو أقرؤه له, وحميد الدين جاء إلى جريدة البلاد, ولي فيها مقال أسبوعي فاختفى, رغم أني على يقين أنه لا يعرف عني شيئاً, وهو ليس كما صور آنذاك أنه مطور أو صحفي أصلاً, وأما أفكاره فلا أستطيع الحكم عليها إلا عندما أسمعها منه أو أقرأها مكتوبة منشورة باسمه, وكلا الأمرين لم يحدث, وأنا بطبعي وبما تحملته من العلم الشرعي لا أكفر أحداً من أهل القبلة أبداً, وأحاول ما استطعت أن أحمل كلامه على أحسن محامله ما استطعت, أما الكفر البواح فلا أقبله من أحد, ولو كان يسميه الناس رمزاً, فديني أهم قيمة في حياتي, وأدافع عنه بروحي ودمي, وأما عن صحة ما يقال عني فلم تذكره لي لأخبرك إن كان صحيحاً أم تهمة باطلة, ونحن في زمن رديء, التهم فيه على بعض الألسنة جاهزة يرمون بها كل مسلم غافل.

** من يتابع مقالاتك يجدها طويلة.. هل فكرتك لا تأتي إلا بكلمات أكثر؟
ذكرتني بالأستاذ “العرفج” الذي أطلق هذه العبارة جهلاً بالكتابة, فالموضوع هو ما يحدد طول الموضوع المكتوب أو قصره فقد تكتب موضوعاً في أسطر قليلة, ولا يكون إيجازك فيه مخلاً, وقد تكتب موضوعاً في أكثر من ذلك لأنه يقتضي ذلك, ومن يتابع مقالاتي فسيجدها تتراوح بين القصر والطول بحسب الموضوع, وهي إذا قيست بغيرها فهي أقل طولاً, فصحافة اليوم لا تسمح للكاتب إلا بمساحة محددة وعدد من الكلمات محدد, وكم من كاتب يوجز مقالاته حتى لا تدري ماذا أراد أن يقول, وقد يستطرد الآخر في كتابه حتى يمله القارئ, وأنا ممن توسط بينهما, ولست أكتبه للتسلية أو للسخرية التي لا معنى لها ولا طعم ولا رائحة, إنما أكتب موضوعات فكرية لها غايتها الخاصة ولا تتأتى إلا بما أكتب.

** تتهم بأنك تخوض في الفتيا وأنت لست مؤهلا بالعلوم الشرعية فلماذا الخوض في أمر لم تتخصص فيه؟
هذه العبارة لا تنطبق على مثلي, لأني متخصص في العلوم الشرعية, فقد تخرجت في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية وحزت على درجة الليسانس في الشريعة الإسلامية بدرجة ممتازة مع مرتبة الشرف, ثم حصلت على الماجستير في الفقه وأصوله هذا من الناحية الأكاديمية, وتلقيت هذه العلوم من علماء أجلاء مشهورين بعلمهم في سائر العلوم الشرعية, من علماء الحرم المكي الشريف ومن علماء دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب, وعلى رأسهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – ولي مشايخ عديدين من علماء الأزهر الشريف, واستوفيت بحمد الله تلقي جل دواوين السنة النبوية بالسند على من رواها من مشايخي, وأتممت دراسة كتب في الفقه وأصوله, والتفسير وأصوله, والحديث ومصححه على أيدي علماء أجلاء, ثم قمت بتدريس هذه العلوم في التعليم العام وفي كليات المعلمين وحاضرت في هذه العلوم في بلادي وخارجها, وحضرت المؤتمرات في موضوعاتها, ومازالت أكتب وأؤلف عليها, ويتلقى العلم على يدي كثير ممن يطلبون العلم الشرعي, فهل يقول عاقل إنني لست مؤهلاً بأن أتحدث عن العلم الشرعي إذن, فمن هو المؤهل؟ هل هو المهندس الكهربائي, أو الطبيب, أو خريج الفنون أو الصيدلة, وغيرها.. فمن اليوم يتركون ما تخصصوا فيه ليقولوا إنهم الدعاة والمشايخ, سبحان الله.

** تجري في العالم الإسلامي أنهار من الدماء.. فما أسباب جنوح المسلمين للحروب والقتال دون غيرهم؟
لا أظن أن المسلمين وحدهم من تجري على أراضيهم الدماء, فالحروب التي جرت في أوروبا (الأولى – والثانية) في العصر الحديث كان ضحاياها بالملايين, ولكن حروبنا من نوع آخر؛ خاصة ما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية, والتي منبع فكرها يعود إلى فكر الخوارج, وهي سيئة الأثر على المسلمين, سواء استهدفوهم بهذا الإرهاب أو استهدفوا غيرهم, أما أسباب هذه الحروب الإرهابية فهو وللأسف انتشار منحرف هو الأقرب إلى الفكر الذي فتك بالأمة منذ عصورها الأولى, وهو فكر الخوارج المكفر للأمة المستبيح لدمائها وأموالها وأعراضها, وله اليوم منظرون ومنتشرون في عالمنا الإسلامي, وللأسف يتلاعبون بعقول المراهقين ويجعلونهم حطب هذه الحرب الموقدة باستمرار.

** لك مؤلفات في الفقه وأصوله والاقتصاد الإسلامي.. فما هي أبرز مشاكلنا في العالم الإسلامي؟
كل مشاكلنا تعود إلى الاستبداد السياسي, وهو المؤثر على الاقتصاد, والاجتماع والفكر والثقافة, كما أن من أسباب ذلك أن جل مواردنا قد بددت, وكثير من بلداننا تعتمد على السلعة الواحدة كالنفط, وعدم الاهتمام بتنوع الصادرات إلى آخر ما يردده الاقتصاديون اليوم.

** تكتب في الصحافة السعودية منذ 30 عاماً.. فما مدى ارتفاع هامش الحرية خلال هذه المدة الطويلة؟
لا أشك أن هامش الحرية اليوم قد اتسع بعض الشيء, فاليوم تظهر مقالات نقدية فيها حتى الحدة وتنشر, ولم تكن من قبل مسموحاً بنشرها, ولكن هذا لا يعني أن كل القيود قد ارتفعت عن الكتابة الصحفية, بل هناك أحياناً توجيهات عما يكتب فيه, وما يجب الامتناع عن الكتابة فيه, كما أن بعض رؤساء تحرير الصحف يمارسون دور الرقيب الذي لم يعد له وجود في الصحف, وذلك خشية منهم أن يسألوا عن هذا المقال أو ذاك, فيلغي نشر مقال من باب سد الباب الذي تأتيك منه الريح.

** متى تقول هذا إعلام فاسد؟
عندما أقرأ مقالاً فيه المديح الزائد لمسؤول كبير أو صغير, وعندما أقرأ من يرى أن في النقد خيانة وطنية, وعندما أقرأ لمن ينفي المشكلات الواضحة التي يعاني منها الناس, وهكذا.

** ما هو الموقف الصحيح للمسلمين من أصحاب الديانات الأخرى؟
الموقف يعتمد على موقفهم, فإن سالموا المسلمين ولم يعتدوا عليهم وجب على المسلمين أن يفعلوا الشيء نفسه, وعلى المسلمين أن يستفيدوا مما لديهم من تقدم في العلوم الدينية والخبرة العملية في مناحي الحياة, أما الدعوة إلى الإسلام فهي واجبة بالموعظة والجدل بالتي هو أحسن.

** البعض في مجتمعنا لا يرى المرأة إلا متعة للزوج ومربية للأطفال.. كيف يمكن إقناعه بدورها المهم والعمل؟
ليس فيما يراه الرجل من أن زوجته متعة له ما يؤاخذ عليه, فهي أيضاً تراه متعة لها, فقد أباح الله لكل منهما الاستمتاع بالآخر, وتربية الأطفال, وحفظهما من مهامهما العظيمة, ولا شك, ولكن الزوج يشاركها هذه التربية, وإن فرطا فحسابهما عند الله شديد, أما النظرة الدونية إلى المرأة, والتي يعتنقها البعض, والذي يحصر دورها في أنها للشهوة فقط فتلك النظرة ليست من الإسلام في الشيء, فالنساء شقائق الرجال لهن حقوق يجب أن يحصلن عليها, وعليهن واجبات يؤدينها, والمرأة إنسان مكتمل قد تكون بعض أفراده تتفوق على أفراد من الرجال عملاً وإبداعاً ورؤية وفكراً, وجموع النساء في الوطن يثبتن ذلك, ولا أظن أصحاب النظرة الدونية إلى المرأة يتمتعون اليوم بتأييد من الرجال إلا الشواذ فكراً وعملاً.

** من هو الذي تقول له “شاذ الفكر مريض النفس”؟
هو من يتعصب لرأيه حتى ينعزل عن الآخرين كلهم في مجتمعه.. كهؤلاء الذي يبتعدون عن المجتمع المسلم كله بحجة أنه مجتمع مشرك أو كافر أو ملحد, وأنهم هم وحدهم المسلمون والمؤمنون, وهؤلاء الذين لا يجدون في الغرب ما يستحق الاهتمام سوى القشور ينقلونها إلى مجتمعهم مثل السلوك المتفلت من كل قيد, وهؤلاء الذين يتعالون على الخلق حتى وكأنهم بالقول والفعل فوق الناس جميعاً, وكأنهم جنس متفوق على كل البشر, كذلك من يرفض الحوار لادعائه أنه يمتلك الحقيقة وحده.

** لما يكثر لدينا لقب ناشط وناشطة أكثر من غير؟
كنا نظن متى ألقى ما سموه الربيع العربي ظلاله على مجتمعاتنا العربية فإذا جل أفرادها ناشطون وناشطات, ولعل الدافع لذلك في البداية البحث عن الحقوق, ولكنه مع الزمن تحول إلى حرفة لمن لا حرفة له, ورأينا من هؤلاء من لا يدرك الحقائق في الحياة, ولا واقعها ويدعي أنه الناشط الاجتماعي, ورأينا من يجهل علم السياسة, ويدعي أنه ناشط سياسي, وهؤلاء اليوم أصبحوا عبئاً على مسيرة الإصلاح في مجتمعاتنا العربية, حيث لم يعد يعجبهم شيء ويهاجمون كل شيء.

** بصراحة.. من حبب القلوب الشابة الغضة في القتال والتفجير والتوجه لمواقع الصراعات وبؤر الحروب البعيدة عنا؟
هذا ما اتجهت إليه كتاباتي زمناً ليس باليسير, فإهمال الشباب, وعدم وجود المنافذ التي ينفسون فيها عن طاقاتهم الفكرية والجسدية, ووجود منظرين لهم القدرة على غسل الأدمغة عبر العلوم الحديثة كعلم النفس, والاجتماع مع دعوتهم, أدى بهذا الشباب إلى ما تقول, وتخاذل العلماء, والمفكرون عن مواجهة هؤلاء المنظرين, وكشف سوء فكرهم وشذوذه, والتحصين في البداية وقبل الانحراف خير ألف مرة من مناصحة هؤلاء الشباب بعد أن ترسخ في أذهانهم أن ما يقومون به جهاد, وأنه السبيل الصحيح لدخول الجنة.

** كيف يمكن أن نقبل فكرة وجود الفقر في مجتمع غني؟
الفقر ظاهرة إنسانية في جميع المجتمعات الإنسانية, ولكن أن تظهر في مجتمع غني بشكل يسيء إليه لا يقبله عاقل, خاصة إذا كان مجتمعاً يدعي أنه محافظ متمسك بهذا الدين الحنيف الذي يفرض في مال الأغنياء حقاً للفقراء يدفعونه إليهم قسراً لا طوعاً فلو أخرج الأغنياء الذين يملكون المليارات زكاة أموالهم ووصلت لمستحقيها لما رأينا في مجتمعنا هذه المظاهر الفقيرة, وإغناء الفقراء واجب بيت المال (خزينة الدولة) قبل الأغنياء, ولعلنا نجد خطة محكمة لا أقول للقضاء على الفقر, وإنما لتقليله إلى أقصى حد.

** ماذا ينقص هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ينقصها أن يكون لها نظام مصوغ بأسلوب قانوني محدد ومعلن للناس يحدد مهامها ووظائفها التي تقوم في المجتمع, وأن يطبق هذا النظام بحرفية عالية ترتجي الوصول إلى الغايات الكبرى للإسلام, وينقص جموع العاملين فيها ثقافة التعامل مع مجتمع في هذا الزمان, لا أن يعاملوهم بروح وزمان انقضى, ولم يعد له وجود, وأن يكون عملهم حماية للأخلاق لا تتبعاً لعورات الناس.

** ماذا تقول عن الدكتور محمد عبده يماني؟ وهل تحاول ملء الفراغ الفكري والقيادي الكبير بعد وفاته كما يتردد؟
أقول عن الدكتور محمد عبده يماني – رحمه الله – إنه جبل شامخ وطود راسخ علماً وخلقاً, وهو لي صديق حميم, استفدت من علمه وخبرته في الحياة وفي الدعوة إلى الخير, ولا أحد يحل محل أحد أبداً, ولكني أقتدي به في كل فعل أدى إلى الخير.

** ما هو طموحك الشخصي؟
أظن أني في هذه السن قد تحققت الكثير من طموحاتي الشخصية التي في مقدوري تحقيقها, ما تعجز عن تحقيقه قدراتي فهو بالنسبة لي المستحيل الذي لا أفكر فيه, وأطمح أن أبقي دوماً على صلة بالعلوم التي تخصصت فيها, أستزيد فيها علماً وأنقب في مصادرها ما أرى فيه خيراً لأمتي, وهذا منتهى غايتي في هذه السن, أما طموحي الحقيقي فهو لهذا الوطن الذي يعيش فيه أبنائي وأحفادي, والذي أتمنى أن أراه أحد البلدان المتقدمة في هذا العالم المؤثرة فيه.

** ما أبرز قرار اتخذته؟
أبرز قرار اتخذته عندما رفضت في بداية حياتي العمل في القضاء, والذي كنت أخشى أثره علماً, فالحمد لله, أنا بقيت معلماً حتى تقاعدت.

** أنت ابن مكة المكرمة.. فهل تغيرت عليك ملامحها الجديدة وعمائرها الحديثة ولم تعد مكة المكرمة إبان نشأتك فيها؟
مكة اليوم بعد “الهدميات” التي جارت على معظم أحيائها القديمة لا شك أنها ليست تلك التي أعرفها, وإني اليوم لأتجول في أماكن كانت مرابع صبانا فلا أجد فيها إلا أنقاضاً أحسها, وكأني تهدم جزء مني, وليس الأمر أمر عمائر جديدة حديثة, وأخرى قديمة يحن إليها ساكنوها, ولكن التوسعات المتلاحقة أتت على معالم أم القرى الأثرية, ولم تبق منها شيئاً, وكان يمكن تحقيق المصالح باستيعاب أكبر من عدد الحجاج والمعتمرين مع استبقاء ذاكرة المدينة المقدسة, كما فعلت كثير من دول العالم, حيث حافظت على آثارها وحققت التحديث لمدنها كافة.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: