أعيدوا للمساجد وظيفتها

منبر الجامع يعالج فيه العالم الذي يخشى ربه مشكلات المجتمع المسلم ولكنه حتمًا لا يكون لإثارة الفتن ولا صنع الكراهية ولا لتأييد فكرة سياسية أو مقاومة فكرة أخرى

إن المساجد في حياة المسلمين، لها أهمية بالغة القدر، يجتمع فيها المسلمون في حيهم وأماكن إقامتهم خمس مرات أو أقل، فلا يمضي يوم إلا ويرى بعضهم بعضًا، يتفقد بعضهم بعضًا، فمن تخلف منهم عن الحضور إلى مسجد الجماعة، بحثوا عن سبب تخلفه، فإن كان مريضًا زاروه، وإن أصيب بما يصاب به الناس من نوائب الدهر واسوه، وإن احتاج إلى عونهم أعانوه، والمسجد المكان الطاهر الذي يتعبدون فيه ربهم، يصلون ويذكرون الله ويتلون كتابه، ويسأل بعضهم بعضًا عما يجهل من أمر دينهم، فحياة المسلم مرتبطة بهذا المكان ما دام حيًا، وفي كتاب الله آيات كثيرة عن السجود والمسجد تثير في المؤمن التدبر لمعانيها ليعلم أهمية المسجد في حياته، فالله عز وجل يقول: «قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون»، فربنا عزوجل أمرنا بالعدل الذي هو جميع الطاعات والقرب، تتحقق به وبها يسعى إليه، وأمرنا بالتوجه لعبادته مستقيمين عند كل وقت سجود، وهو في المسجد أولى وأطهر، وأمرنا بالإخلاص في العبادة، فإن كان إتيان المسجد للصلاة فيه وذكر الله وتلاوة كتابه عبادة لله خالصة، فيجب ألا يخالطها رياء ولاسمعة، وألا نأتي المسجد إلا وقلوبنا طاهرة من رجس المعصية وأبداننا وثيابنا طاهرة عن النجاسات فقد أمرنا أن نتخذ عند كل مسجد الزينة بكل أنواعها فالله عزوجل يقول: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين».
وعمارة المساجد عبادة لله ثوابها عظيم، والعمارة تكون بالبناء لها والعمل على نظافتها وطهارتها وارتيادها فربنا عزوجل يقول: «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين».
ووظيفة المسجد كما جاءت في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مِهْ مِهْ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزرموه دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم- دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عزوجل والصلاة وقراءة القرآن، فأمر رجلا فجاء بدلو من ماء فشنه عليه».
فوظيفة المسجد الأصلية لا تعدو هذه الثلاثة: الذكر والصلاة والتلاوة، وقد يضاف إليها التعليم، فيوم لم يكن للمسلمين مدارس ولا معاهد ولا جامعات كانت حلقات الدرس تقوم بمهمتها، وأظن اليوم أن الاقتصار على التعليم في صورته الحديثة أولى، خاصة وإن لم نأمن لمن يلقي درسًا في مسجد بعيد في الأطراف، لا يشرف عليه أحد، وقد يدس سمًا في دسم فالدروس الخفية في المساجد قد يتخرج فيها أصحاب غلو وتطرف رأت الأمة منهم الأذى، وإن كان ولابد من دروس في المساجد فلابد أن تنظم كما هي في المدارس والكليات وأن يشرف عليها الموثوق بهم من العلماء والتربويين، وقد يضاف إلى وظائف المسجد عند تعرض البلاد لعدوان أجنبي لا سمح الله أن تكون في مقدمة الداعين للجهاد ولرد العدوان.
ومنبر الجامع يوم الجمعة مهم جدًا، يعالج فيه العالم الذي يخشى ربه مشكلات المجتع المسلم ولكنه حتمًا لا يكون لإثارة الفتن بينهم، ولا صنع كراهية بين أفرادهم أو جماعاتهم أو طوائفهم، وحتمًا لا يكون المنبر لتأييد فكرة سياسية أو لمقاومة فكرة أخرى فتسييس المنابر في هذا الزمان خطره عظيم على مجتمعاتنا المسلمة، وأنظروا حولكم تدركوا هذا، ولهذا جاءت فكرة توحيد خطب الجمع، والتوحيد المقصود هنا ليس كتابة خطبة واحدة يتلوها الخطباء في كل المساجد، وإنما تعيين موضوعات محددة يكتب فيها أئمة الجوامع خطبهم، فلعل في هذا اللون من الإشراف ما يمنع الخطب التي تند عما يفيد المجتمع، كأن تكون الخطبة سياسية كما ذكرنا، أو تكون هجاء لمن يختلف معه الخطيب أو يختلف مع تياره الفكري، مع ما يجره هذا على المجتمع من فرقة بين أفراده وجماعاته.
فالمسجد ليقوم بوظيفته في هذا الزمان يحتاج لمزيد من التدقيق في كل ما يقال فيه أثناء الدروس إن وجدت، وفي الخطب إذا انحرفت عن غاياتها السوية، وأظن أن مهمة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في هذا الباب عظيمة بتهيئة المساجد لما أنشئت من أجله وبمنع كل ما يسيء إليها وإلى هذا الدين الحنيف ومعتنقيه، ولا أظنها إلا قائمة بواجبها العظيم، وهو ما نرجو والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: