الأحداث والحادي عشر من سبتمبر

وأمّا أن تتطور هذه المظاهرات إلى عنف تجاه البشر والأشياء، وتفدح خسائرها الإنسانية والمادية، فهو لون من الغوغائية، لا يعود على المسلمين إلاَّ بأبلغ الضرر..

أتصوّر أن الجميعَ في بلادنا العربية والإسلامية قد أدركَ سوءَ الأسلوب المستخدم فيما سمّاه أسامة بن لادن -آنذاك- بغزوة نيويورك، والتي أدّت إلى أوضاع مأساوية في فلسطين والعراق، ثم في السودان، والتي لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم، فمهاجمة مؤسسات، أو أفراد لا علاقة لهم بسياسة الدول الغربية تجاه المسلمين، مؤدٍّ حتمًا إلى بقاء الصورة النمطية للمسلمين في الغرب، والتي تحرص الأنظمة الحاكمة في الغرب أن تبقى حيّةً في مخيلة شعوبها دائمًا، عن الشعوب المسلمة، ودين الإسلام الذي يحرّكها، وأن هذا الأسلوب مهما أوجع الدول الغربية، فهو يزيد الصورة المشوّهة أصلاً للإسلام والمسلمين لدى المجتمعات الغربية رسوخًا، وإن نصرة الإسلام ورموزه وأعظمها قداسة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لا تتم عبر هذا الأسلوب الرديء، والذي هو حتمًا مخالف لأحكام الإسلام، وقيمه المثلى، وقواعده ومقاصده، والذي يؤكد على ألاّ تنال العقوبة سوى الفاعل، فيحذر تحذيرًا شديدًا من عقوبة الناس -ولو كانوا كافرين- على ذنب لم يجنوه، أو فعل لم يأتوه، أو قول لم يتفوّهوا به، فيقول ربنا عز وجل: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وَزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)، ويأمرُ بالعدل حتى مع العدو المخالف لنا دينًا فيقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) وإذا أصاب المظلوم في انتصافه غير الظالم، أضاع حتمًا حقه، وجعل الناس ينظرون إليه، وكأنّه من ابتدأ بالظلم، وحينما أزهقت أرواح ثلاثة آلاف، أو أقل قليلاً من البشر في تلك الغزوة المشؤومة، نقلت من الغرب كثيرًا من الناس الذين ليس لهم موقف ضد الإسلام والمسلمين إلى أن يكونوا أعداء لهم، فإن لم يكونوا لهم أعداء فلا أقل من ألا يتعاطفوا مع قضاياهم العادلة، فتصرّف غبي من هذا اللون يفقدنا الكثير ممّا كُنَّا نسعى أن نبني له مواقف في الغرب، إن لم تكن مؤيدة لنا، فلا أقل من أن تكون محايدة، والأحداث اليوم مع كل خبر لقيام أفراد في الغرب بإنتاج مادة علمية، أو فنية مسيئة لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممّا هو دائم الحدوث عبر الزمن قديمًا وحديثًا، ممّن تحمل صدورهم بغضًا له، أو كراهية -بأبي هو وأمي- فتثور في بلادنا العربية والمسلمة معارضة شديدة له عبر مظاهرات حاشدة للردّ على الإساءات، هو حق مشروع لنا، كما يشرع لنا أن ننتج من المواد الإعلامية والفنية ما هو أقوى للردِّ على مثل هذه الموجات الحادّة تجاه الإسلام، وأمّا أن تتطور هذه المظاهرات إلى عنف تجاه البشر والأشياء، وتفدح خسائرها الإنسانية والمادية، فهو لون من الغوغائية، لا يعود على المسلمين ودينهم إلاَّ بأبلغ الضرر، فإذا طال العنفُ سفاراتٍ لدول أجنبية، وتم الاعتداء على موظفيها، والذين دخلوا بلادنا بأمان وعهد خاص من قِبل حكوماتنا، فهم مستأمنون لا يجب أن يُمسّوا بسوء، ففي ديننا أحكامٌ للسفارة بيننا، وبين الآخرين من الدول التي لا تدين بديننا، فعلاقتنا بهم في حال السلم والحرب واضحةٌ جليةٌ في ديننا، تمنعنا من الاعتداء عليهم، سواء أكانوا في بلاد مستأمنين، أو في بلادهم، وبيننا وبينهم عهود دولية، فلا فوضى في هذه العلاقات، ومَن يسئ إليها من الأفراد، يجب أن يُعاقبوا، ويُمنعوا من الإضرار بمصالح الجميع، فالمظاهرات العنيفة التي تُخرِّب كلَّ شيءٍ يجب التصدّي لها بحزم، وإلاَّ أصبحت حياة الناس معرّضةً للأخطار في بلادنا الإسلامية، وجلّها يعاني من المشكلات أكثر تعقيدًا في أي مكان آخر في العالم، والحماسة التي ترفع الفعل إلى الدرجة التي لا يمكن السيطرة عليه لا يجب ألا تكون في مثل هذه الحالات، فحماسة تضر بالإسلام وأهله هي ضررٌ فادحٌ يجبُ تجنّبه، آملين أن يُدرك الجميع هذا، هو ما نرجوه، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: