المس الشيطاني والجريمة

إن وجود الجان، وأنهم خلق لله، حقيقة يجب الإيمان بها، ذلك أن القرآن الكريم جزم بهذا الوجود، وذكر أنهم أمة أخرى مع الإنس، بعث سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لهم كما بعث للإنس رسولاً مبشراً ونذيراً وهادياً وسراجاً منيراً، وقد بين لنا الله أنهم قد خلقوا من نار، حيث يقول عز وجل: (وخلق الجان من مارج من نار)، وجزم أننا لا نراهم وهم يروننا، فذكر لنا أن الشيطان من الجن، ثم قال: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم)، والقصص التي يتناولها الناس ويرددونها عن رؤيتهم للجن أو التعامل معهم أو التزواج بينهم وبين الإنس، هو أمر لا يمكن إثباته يقيناً، والوارد في القرآن عن مس الشيطان حيث يقول ربنا (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) إنما هو أنباء عما يقع لآكل الربا يوم القيامة، لا أنه في هذه الدنيا مصروع يقوم ويسقط، ولا علاقة لهذا بإثبات أن الجني يسكن جسد الإنسان، وإنما هي الصورة عند الناس لما أسموه مساً، والتنظير الدائم، الذي يقوم به البعض ويروجون له، جعل العامة يقدمون أقاربهم إذا أصابهم مرض نفسي أو عقلي لمشعوذ يضربهم الضرب المهلك ليستخرج بزعمه من أبدانهم الجن، وقد يبلغ الأمر أن يموت المريض تحت هذا العذاب، وقد تكررت أحداث من هذا القبيل في بلادنا مرات عديدة، قديماً وحديثاً، لعل آخرها ما نشرته جريدة الوطن يوم الثلاثاء 17- 10- 1433هـ، من أن أباً إنهال على ابنه البالغ عشر سنوات بالسياط حتى أغمى عليه، لينقله بعد ذلك إلى طوارئ المستشفى، وذلك لاعتقاده أنه يعاني مساً شيطانياً، وهذا نتيجة مباشرة لهذا التنظير المستمر، الذي يدعي أن الجن هوايتهم الأساسية أن يدخلوا أجساد البشر، وحتى لو كان هذا المس حقيقة يقينية كما يرى البعض، فإن علاجها حتماً لن يكون بضربٍ مبرح قد يتعرض فيه المريض إلى الموت، فلا دليل شرعي ولا طبي على أن ذلك علاج للمس، بل هو جريمة يجب أن يعاقب عليها من نظر لها ومن قام بها، بعقوبة شديدة رادعة، فالتهاون في مثل هذا سفه لا يجب القبول به، فليس من المعقول في هذا العصر القبول بمثل هذه الأعمال القاتلة أو الترويج لها، حفظاً لسلامة الأبدان والأرواح، والذي هو مقصد أسمى من مقاصد الشريعة، فهل نفعل؟ هو ما أرجو والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: