كنا في السبعينيات من القرن الهجري المنصرم، يشتد فرحنا بنزول الغيث، ونحن من يصلي من أجل الدعاء لنزوله، فهو الرزق العميم من الله، الذي تحيا به الأرض، فإذا أحييت كانت الحياة لكل من عليها من الإنسان والحيوان، ورغم أن بيوتنا آنذاك مبنية في الغالب من اللبن الطين، أو من الحجر وسقوفها من الخشب، يعلوه التراب، والفَارِه منه ما حُزِّم بالنورة، ليجري الماء إلى المرازيب، فإذا انحسر السحاب خرجنا نرتاد الأودية والغدران فرحًا بالمطر، واليوم ما أن نرى سحابا متراكمًا، إلا وعلمنا أنا سنُحبس في البيوت، فشوارعنا تمتلئ بالماء الغزير وينقل معه التراب والطين، ويصبح سير السيارات فيه ضربًا من المستحيل، والمدارس تُعطَّل، ومن كان له عمل غالبًا لا يذهب إليه، والمريض مثلي له موعد في مستشفى لن يذهب إليه، فكلهم له تجربة مما مضى، قضى فيه الساعات الطوال دون أن يرجع إلى منزله، وتعرض لكثير من المصاعب، والبقاء في المنزل خير له، ولا تزال صور تتراءى لبعضنا، تمر أمام عينيه، ما أن يرى السحب تتكاثف، وهزيم الرعد يصم الآذان، فإذا ما يُفرح في الماضي يُحزن في الحاضر، وما مر بنا في مدينتنا التي ظللنا زمنًا ننعتها بعروس البحر الأحمر، وهي اليوم عروس قد عطّلت زينتها، وغزا التلوث بحرها وجوها، وغابت بنيتها الأساسية، فلا تزال المجاري لم تكتمل، وتصريف الأمطار لم تكتمل له شبكة حتى اليوم ، أما مجاري السيول فتحتاج إلى الكثير مما لم يُصنع بعد، وعلمي أن سائر مدننا تعاني ما تعانيه جدة، والأمل اليوم -والإصلاح تُعلَن له خطط- أن تزول عن مدننا ألوان القصور هذه، وتكتمل لها بناها الأساسية، ونصبح نعيش في مدن قد اكتملت لها البنى الأساسية وسائر الخدمات، والسفر سادتي إلى البعيد يكتمل بخطوات يجد صاحبها في السير ليصل إلى مبتغاه، وليس فينا ولا منا من لا يريد أن يبلغ وطنه الغاية من الرقي والتمدن، في ظل إصلاح بدأت بحمد الله تفوح في الأفق أنواره، ولتتشابك الأيدي في تحقيق المزيد منه، لنرى النهضة التي كُنَّا نرجوها زمنًا، وهي بحمد الله قد بدأت خطواتها الأولى، ولكنها حتمًا لن تؤتي ثمارها إلا بتعاوننا جميعًا، نبذل الجهد ونتوسَّع فيه، حتى يتحقق لنا ما نهدف إليه، فهل نفعل؟، هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.