تعجب أن تجد من يمتلك من الأراضي ما مساحته عدة كيلومترات حتى في الصحراء ولكن يحتفظ بها لأنه سيشقها مشروع طريق أو سكة حديد وتثمن له بأغلى الأثمان..
سؤال لو وجه للمسؤولين عن الإسكان في وطننا لسمعنا إجابات لا يحصيها الحصر كلها تدور حول نفي وجود مشكلة, وتعليق ما تعانيه الشريحة الأكبر من سكان هذه البلاد, من الموظفين والحرفيين, ومن رزقهم الذي يجنونه يومًا بيوم, على تبريرات بعيدة عن الواقع, فهؤلاء لا يحلم أحد منهم بأن يمتلك مسكنًا له ولأسرته, ويدفع من دخله الكثير ليسكن في شقة لا يرضيه السكن فيه لولا ظرفه المعيشي الذي أجبره على ذلك, ويظهر على صفحات الصحف نسبًا لمن لا يملكون منازلهم, فتعلو إلى أن تصبح 65% وقد تنحدر إلى أن تصل 40%, ولعلها أرقام تقديرية, ورغم أننا أجرينا إحصاءً للسكان منذ سنوات واشتمل على إحصاء المنازل المملوكة لأصحابها, وتلك المستأجرة من قبل المواطنين, ولم تتحفنا هيئة الإحصاء برقم محدد موثوق به, ويظل هاجس السكن الآمن حلم كل مواطن دخله محدود, ونرى العمارات تبنى من أجل الاستثمار بأعداد كبيرة في وسط المدن وأطرافها وضواحيها يعلن عن بيع الشقق فيها أو يعلن عن طرحها للإيجار ومع هذا يظل هذا المواطن الذي نتحدث عنه في قلق دائم متى يكون له سكن ملائم يناسب دخله, ونسمع عن أولئك الذين ظلوا العمر كله يدفعون أقساطًا مرهقة لسكن رضي به لأنه لا يجد ما هو أفضل, حتى ذاك الذي كان قرضه الإسكاني يدفع أقساطه لبنك حكومي أو لبنك تجاري, وتجد بيننا من ينفي أن في بلادنا مشكلة سكن, رغم كل ما ذكرنا, ولم يجد بنك تسليف سعودي وآخر لإعمار أراضٍ لا يحصل المواطن على قطعة صغيرة منها إلا بشق الأنفس حلاً للمشكلة, وتبدأ مشكلة بناء السكن بقرض حكومي له, لا يكفي بناء مسكن ملائم له, ليبدأ الاستدانة من الأصدقاء والأرقاب أو حتى البنوك التجارية ليتم حلمه الذي ولد معه, ولما امتلك الأرض ظن أن مشكلته قد انتهت, فإذا بها ذلك اليوم تبدأ, إن أهم ما يجب أن يتوفر للمواطن سكن ملائم لا يتحمل في سبيله ديونًا ثقيلة ترهقه مدى العمر, والدين هم بالليل وذل بالنهار, وقد حلت في كثير من الأقطار عربية وإسلامية كماليزيا مشكلة السكن بأساليب لم ترهق مواطنيها, ووفرت مساكن على مستويات عدة تتناسب مع كل الفئات ودخولهم ونظل نعاني هذه المشكلة مع تطاول الزمن, حتى رأينا من يتقاعد من وظيفته الحكومية وهو لم يمتلك مسكنًا, بل رأينا استاذًا جامعيًا حين يتقاعد ولم يمتلك سكنًا يطرد من سكن الجامعة لأنه لم يعد فيها موظفًا, وإنى لأنظر إلى هذه العمارات التي أنشئت بجوار بعضها حتى كادت كل واحدة لا يفصلها عن الأخرى إلا متر ونصف وأحيانًا أقل, وكأنها الصناديق المتجاروة وفتحاتها المغذية بالهواء لها تشبه تلك الفتحات الصغيرة في جدران السجون, ولعل هذا ما يجعل الشقق غير صالحة للسكنى, وتعرض سكانها لأمراض التنفس, وهي وللأسف تنتشر اليوم في مدننا, ويسكنها مواطنونا لعدم قدرتهم على توفير ثمن سكن صحي ملائم, ورغم أن بلادنا الغالية صحارٍ واسعة والأرضي فيها متوافرة, إلا أننا اليوم نعاني في محيط المدن وضواحيها, لم نعد نجد أراضي يمكن أن يشتري منها المواطن قطعة يبني عليها مسكنًا, فثمن التراب أصبح أغلى من ثمن الذهب, وملاك الأراضي ملاك كبار أعدوها مخططات تعرض على المواطنين بأغلى الأثمان, وتعجب أن تجد من يمتلك من الأراضي ما مساحته عدة كيلومترات, حتى في الصحراء حيث لا مدن ولا سكن, ولكن يحتفظ بها لأنه سيشقها مشروع طريق للسيارات أو مشروع سكة حديد للقطارات, وتثمن له بأغلى الأثمان, وذو الدخل المحدود يدوخ حتى يحصل على قطعة أرض تبعد عن المدينة بعدة كيلومترات, ويدفع فيها ما أدخره عبر الزمن ويستدين عليه قدرًا آخر من المال ليحظى بها, ولا نزال حتى هذه اللحظة لم نرَ مشروعًا وطنيًا للإسكان يرحم جل مواطنينا سواء أكانوا عاملين في الدولة أو في القطاع الخاص بأجر زهيد, يجعلهم يتخلون عن هذا الهم الذي تطاول زمانه, إن مشروعات الإسكان التي نراها اليوم إنما تزيد المشكلة تعقيدًا, وأظن أن حاجة أبناء الوطن لحل سريع لمشكلة السكن ستدفع إلى تفكير جاد لإيجاد حلول مناسبة لهذه المشكلة التي تطاول عليها الزمن, لأن هذا هو المنطق العقلي الذي يفرض حلاً لأهم مشكلات المواطنين ليتفرغوا من أجل بناء وطنهم ويؤدوا وجباتهم نحوه بمزيد من الحماس, حينما يشعرون بحنو الوطن عليهم واهتمامه بمشكلاتهم, هم سيعملون له حتى في حالة مواجهتهم لكثير من المشكلات, ذلك أن الأوطان أغلى على أهلها من أرواحهم التي بين جنوبهم, ولكن أن يتخلصوا من الهموم ويسعدوا ويكونوا أكثر قدرة على خدمته بالإخلاص, وهو دومًا ما نرجو والله ولي التوفيق.