نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى معالجة هذه الارتفاعات في الأسعار التي تتوالى، ويعاني منها متوسطو الدخل ومحدودوه..
لعلنا جميعًا نلاحظ منذ زمن ليس باليسير أن الأسعار في ارتفاع متوالٍ ومستمر، ولا تتراجع أبدًا، مع أن نظرية العرض والطلب مفادها أنه كلما زاد الطلب على سلعة وقل المعروض منها ارتفع سعرها، وإذا قل الطلب عليها وكثر المعروض منها انخفض سعرها، فالعرض والطلب المحددان الرئيسان لتحديد الثمن، رغم أن هناك مؤثرات أخرى فيه، ولكنها ليست مثلهما، ولكنا في زمن تتراجع فيه القوانين الاقتصادية، كما تراجعت ما كانوا يسمونها الحرية الاقتصادية التي عبر عنها الرأسماليون (دعه يعمل.. دعه يمر)، فهذا زمن الاحتكارات الكبرى، وما أسموه الرأسمالية المتوحشة، ففي كل سوق لأي سلعة متحكمون فيه، يفرضون الأسعار التي يريدون، ونحن نعلم أن كل زيادة في المرتبات والأجور تلاحقها زيادة في الأسعار، ودون أن تتغير ظروف العرض والطلب، وإنما يتفق المتحكمون في الأسواق على رفع الأسعار ويحدث، وعندما ترتفع أسعار سلعة مماثلة لأي سبب، يرفع تجار السلع الأخرى، كما ارتفعت أسعار الدواجن. فعمّا قليل رفع تجار المواشي أثمانها، ولنتذكر معًا أن التضخم والذي لا يزال ملازمًا لنا مدة ليست باليسيرة إنما هو ناتج الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات، سواء أكان هذا الارتفاع ناتجًا عن زيادة كمية النقد بشكل يجعله أكبر من حجم السلع المتاحة، وهو ما يحدث عندما يرتفع الإنفاق الحكومي، ويوفر سيولة نقدية في السوق أكبر من السلع المتاحة، أمّا الوجه الآخر له، وهو الناجم عن زيادة الإنتاج فائضة عن الطلب الكلي، أو بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، فالجزء الأخير منه أعني ارتفاع تكاليف الإنتاج فهو خصيصة لكل إنتاج سلعي في بلادنا، أمّا زيادة الإنتاج بحيث يفيض عن الطلب الكلي فلا أظنه حدث إلاّ نادرًا، ونلحظ أن أسعار العديد من السلع الغذائية بسوقنا المحلية تمر بارتفاعات متوالية خلال الفترة الأخيرة مثل الدقيق الأبيض، والحليب، وبعض أنواع الأرز بدون وجود أسباب واضحة لهذه الارتفاعات، لحق بها الدواجن والمواشي، ودومًا إذا ارتفعت أثمان السلع الضرورية ظهر من يقول لنا إن الأسباب عالمية، ثم نبحث عن هذا فلا نجد له حقيقة إلاّّ نادرًا، والمواشي كلما اقترب موعد موسم الحج ترتفع أثمانها رغم عدم وجود أسباب حقيقية لهذا الارتفاع، والمعلوم بداهة أن أسعار الأراضي التي تصلح للسكن في ارتفاع مستمر ولا تتراجع، وحصول المواطن على وحدة سكنية إذا كان دخله محدودًا يكاد يشبه المستحيل، وعبر هذه السنين التي توالت فيها الارتفاعات الكبيرة في أسعار كل شيء، أصبحت دخول المواطنين في تناقص مستمر، ولو تذكر كل منا نحن عباد الله الموظفين ما كان يقبضه كمرتب شهري حينما دلف أول مرة إلى سوق العمل، وكم كان يمكنه أن يشتري به سلعًا وخدمات، ثم ليقيس تطور مقدار دخله حتى اليوم، وقد أصبح دخله أضعاف ما استلمه أول مرة كراتب شهري، ولكنه اليوم لا يسد من حاجاته إلاّ القليل، حتى كاد كل أصحاب الدخول المحدودة يعانون أشد المعاناة بأسباب التضخم وارتفاع الأسعار، ولا أحد يحاول أن يفهم ما يحدث. فالتراب أصبح أثمن من الذهب، والأرض كادت أن تضيق بعدد سكانها وهم لا يزيدون على عشرين مليون مواطن، وهي أرض شاسعة، إلاّ أن المتر منها يعجز أستاذ الجامعة أن يوفره، فكيف بالمتقاعدين من كل صنف ولون، وكثير منهم لا يملك منزله، وإيجارات المنازل في ارتفاع مستمر، وهذه قضية حية يعيشها الناس في الوطن، ولا يقولن لنا أحد إن نظامنا الاقتصادي هو النظام الحر، والأمر متروك للعوامل الاقتصادية، فكل دول العالم الحر، تراقب الأسعار فإذا وجدت ارتفاعها مفتعلاً، استطاعت أن تمنع بالقانون كل تصرف يؤدي إلى ارتفاعها دون سبب معقول، وتمنع القوانين الاحتكار والغش، ولن أتحدث عن الخدمات الطبية التي لا يستطيع تحمل أثمانها أي موظف دخله محدود، ولا يقل لي أحد إن المستشفيات العامة توفر لهم خدمات طبية مجانية، فكلنا يعلم حال جل المستشفيات الحكومية، وما تقدمه للمواطنين وأنا لا أقلل من أهميتها وما تقوم به، ولكننا جميعًا ندرك ما تعرضت له من تراجع عبر الزمن، فنحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى معالجة هذه الارتفاعات في الأسعار التي تتوالى، ويعاني منها متوسطو الدخل ومحدودوه، أمّا الفقراء فأعانهم الله، ولا أشك أننا جميعًا في هذا الوطن حكومة وشعبًا نسعى إلى أن نحقق للمواطنين الرفاهية وللوطن التقدم فهل نتوافق على هذا ونبدأ؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.