كلنا نعلم أن الأحكام التكليفية الشرعية خمسة هي: الواجب والمسنون أو المستحب والحرام والمكروه وخامسها المباح، ويُعرفها العلماء فيقولون: الواجب ما طلبه الشارع طلبًا لازمًا أو هو ما يُثاب فاعله ويُعاقب تاركه، وفعله امتثالا يوجب الأجر العظيم، والمسنون: ما طلبه الشارع طلبًا غير لازم، أو هو ما يُثاب فاعله ولا يُعاقب تاركه، وإن عُوقب يوم القيامة، أما الحرام فهو ما طلب الشارع تركه أو هو ما يُثاب تاركه امتثالا ويُعاقب فاعله، أما المكروه فهو ما طلب الشارع تركه طلبًا غير لازم أو هو ما يُثاب تاركه امتثالا ولا يُعاقب فاعله، ويبقى المباح المنفرد وحده: وهو ما خُير بين فعله وتركه المكلف، فلا يُثاب فاعله إلا إن أضيف لفعله نية يؤجر عليها، مثل أن يدرب رجال الجيش على الرياضة لتقوى أبدانهم في مواجهة القتال، فالفعل في أصله مباح ولكن النية جعلته مثابًا عليه، وهذا المباح هو ولاشك الأكثر أمثلة بين الأحكام التكليفية، فالحرام معدود محسوب وكذا الواجب وما تبعهما، أما المباح فلا حصر له ونعرفه بالنص عليه من الشارع كقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانًا وإذا حللتم فأصطادوا). فقد حرم الله بهذه الآية على المحرم الصيد مادام محرمًا فإذا حلّ حله له الصيد، ولكن هذا النوع من المباح قليل، وله صيغ ترد في النصوص مثل: لا حرج ففي يوم النحر ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عن التقديم والتأخير فقال افعل ولا حرج، وأيضًا كلمة جناح كقوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) فطلاق المرأة قبل الدخول بها مباح، وكلفظ (حل) في قوله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) فذبائح أهل الكتاب مباح أكلها، وأخيرًا صيغة فعل الأمر التي يقترن بها قرينة تصرفها عن الوجوب أو الندب كقوله تعالى (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) بعد قوله (فاعتزلوا النساء في المحيض) فهو يدل على إباحة الجماع بعد أن تطهر المرأة من دم الحيض، وطبعًا الأشهر من المباح هو ما سماه بعض الفقهاء إباحة عقلية، وهي المبنية على البراءة الأصلية من التكليف حينما لا يرد من الشارع حظر ولا وجوب، والمباحات في الإسلام كثرتها تدل على أن الإسلام كله يسر، وليس فيه ما يشق على المسلم، جعلنا الله ممن يلتزمون أحكام الشرع حتى الممات لنحظى بفضل الله ورحمته فندخل الجنة.