لاشك أن الإفتاء نوعان : الأول: ما يقوم به من العلماء من بلغ رتبة الاجتهاد ويتصدى للوقائع الجديدة التي يبحث عن حكم لها, ويجتهد في أن يصل الحكم فيها حسب القواعد الأصولية المتفق عليها, والمجتهدون في زماننا قلة إن وجدوا, ويفضل أن يكون الاجتهاد في القضايا الهامة التي تعرض للأمة ويحتاج المجتهدون للنظر فيها للوصول إلى أحكام جماعياً, حرصاً على أن يكون الحكم موثوقاً, وأما النوع الثاني وهو الإجابة عن سؤال في العلم الشرعي عن مسألة سبق الحكم فيها في المذاهب المعتبرة فللعالم بمذهبه أن يجيب سائليه فيذكر ما حكم به الفقهاء قبله مما هو مدون في كتبهم , لهذا أطلق الأصوليون على الأول المجتهد مطلق, وعلى الآخر العالم بمذهبه علماً واسعاً يستقصى مسائله ويعلم الاختلافات فيه المجتهد المقيد, ولكن عصرنا بالتجربة الفقيه فيه هو من علم مسائل مذهبه, وقد يقصر باعه أن يجتهد في مذهبه, والافتاء اجتهاد ولكنه غير ملزم, فلا يلزم إفتاء المفتي مجتهداً كان أو غير ذلك من أفتاه ولا غيره, وإن كان ملزماً بفتواه لأنها اجتهاده, ولا بأس في الاجتهاد في التنظيم في عصرنا الذي جعل للإفتاء إدارة يسهل على الناس الاتصال بها في ما يعرض لهم من مسائل وواقع يستفتونها فيها, شريطة أن يكون من يتولى ذلك أهلاً له, ولكن أن تقصر الفتوى عليه أو على عدد معين ويمنع غيرهم من العلماء من الإفتاء فليس لذلك سابقة في كل العهود الإسلامية, ولم يقرره أحد من العلماء الذين يعتد برأيهم, ذلك أن الفتوى حق لكل عالم قادر عليها, وأن الناس إنما يستفتون من يثقون به من أهل العلم, ويعرفون تقواه وصلاحه, وله الحق ولهم في ذلك لا يمنعون منه, ولا أظن أن التنظيم الذي اعتمدته دار الإفتاء بأن جعلت لكل منطقة مفتياً عاماً يعني ألا يفتي غيره سواء في ما استجد من وقائع أو الإجابة عما هو معلوم من العلم الشرعي في المذاهب الأربعة, فتلك قضية واضحة لا تخضع لجدل, علمناها ما عرفنا من العلم الشرعي وعشناها واقعاً حيث كان يفتي من العلماء أقدرهم على الإفتاء سعة علم وعمقاً, وأظن أن الجميع يدركون هذا ويعرفونه حق المعرفة وإنما أردت بيانه لمن يجهله,والله ولي التوفيق.
- ص.ب 35485 جدة 21488
- فاكس: 6407043
- إيميل: [email protected]