إن هذا الذي يجعل الدين وسيلة لتحقيق رغباته من ثراء لا يمكنه الحصول عليه بطريق مشروع هو من يسيء إلى دينه ومجتمعه وإلى سمعته ونفسه أيضًاً
لا أدري لِم جعل بعض الخلق الدين وسيلة يتاجرون بها للحصول على دنيا ملطخة بأسوأ ألوان الشهوات، الذي نبهنا سيدنا رسول الله له في حديث صحيح قال فيه: (بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مسلمًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا).
حينما جاء الإخوان إلى هذه البلاد شاء الله أن أكون من أوائل من احتككت بزعماء لهم كانوا يقدمون لبلادنا ليؤسسوا لهم وجودًا في وطن، ويسعون وراء الشباب ليكوّنوا منهم خلايا لهم، وقد نجحوا إلى حد كبير إلا مع من لا ينضم إلى جماعة حتى يختبرها، فوجدنا الدعوة سعيًا إلى دنيا، للوصول إلى غنى قد وصلوا له حتى كانت لهم الثروات التي ينفقونها اليوم على هذه الحرب القذرة في مصر وليبيا، ولعل المراد أن تمد إلى دول أخرى، ومن ثم الوصول إلى كراسي الحكم في بلدان مختلفة كالسودان وتونس.
ثم نشأت بفكرهم ما أسميناه الصحوة، فرأينا لها رموزًا أصبح بعضهم رموزًا يجري على آثار أقدامهم الأتباع، ويجمعون من الأموال ما تراكم حتى صارت ثروات ضخمة استغلت فيما بعد لما قد يجهله الكثيرون من مساعدة جماعات كالإخوان في شتى بقاع العالم الإسلامي.
ولا تغيب عنا الحرب في أفغانستان وما أنفق على من دفعوا من مراهقي هذه البلاد وشبابها ليكونوا وقودًا لتلك الحرب، ودور الصحوة الإخوانية في ذلك.
وفي جلباب الصحوة خرجت دعوة إلى الاقتصاد الإسلامي، وأقبل الكثيرون رغبة في تنقية العمل التجاري والاقتصادي من أي شبهة حرام، ودرس الكثيرون مناهج اقتصادية وضعية وأخرى وضعت اعتمادًا على الفقه الإسلامي ودخل في الأمر الساعون إلى الدنيا فأفسدوا الخطة، فأصبح في الأعم الأغلب هذا الاقتصاد وسيلة لتعظيم الأرباح، ودخل العمل في مؤسساته من يريد الحصول على هذه الأرباح المتعاظمة ولو خالف ذلك أحكام الدين حقيقة، فإذا الأمر لا يخرج عن تجارة بالدين من أجل الحصول على عظيم الأرباح، وساعد على ذلك الفتاوى المدفوعة الأجر التي تبرر العمليات المشبوهة في تجارة العملات، وبيع التقصيط الذي يتجاوز بأضعاف ما في البنوك من فوائد، لتتعاظم ديون المتعاملين مع المصارف الإسلامية، واليوم ونحن نرى أن المؤسسات الاقتصادية والتجارية تنحدر بعد أن فقدت ثقة الناس بها.
والذين انضموا من أهل العلم إلى الهيئات الشرعية في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، أساء بعضهم إلى نفسه حينما أصبح نجم الفتوى في عدة هيئات وأصبح ما تقاضاه من أثمان لتلك الفتاوى أموالًا طائلة تجعل منه ثريًا.
وظهرت حقائق عن أموال يجمعها دعاة وأئمة ثم يكتشف أنهم يجمعونها لأغراض ليس بينها وبين البر من صلة، إما أن يتملكها فتزداد أرصدته بالبنوك منها، أو يوجهها لجماعات متطرفة، وسقطت مؤسسات خيرية، مما أساء إلى العمل الخيري الجليل النفع لمجتمعات المسلمين، إن هذا الذي يجعل الدين وسيلة لتحقيق رغباته في ثراء لا يمكنه الحصول عليه بطريق مشروع، هو من سيئ إلى دينه ومجتمعه وإلى سمعته ونفسه أيضًا.
فأخطر ما يصيب المجتمع المسلم ألا يرى أفراده شيئًا يذم في مسلك من يبيع دينه لعرض من الدنيا، فالعلم بالدين إنما يحمله من يخشى الله أليس ربنا يقول: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقد جاءت هذه الجملة القرآنية على سبيل الحصر فكأنه لا يخشى من الله من العباد إلا العلماء، ذلك أن العلم بدين الله يجعل صاحبه أحرص الناس على اتباع منهج الله وشرعه.
وهو بما علم أبعد الناس عن ارتكاب المحرمات، لأنه علم أن الله عز وجل يجزل الثواب لمن اتقاه فأقبل على الطاعة فأتى بكل ما استطاع مما أمر الله به وانتهى عما نهاه الله عنه.
وإذا آمن بهذا قلت أخطاؤه وعظم صوابه، والمال ميزان التقوى فإذا لم يسع العالم للحصول عليه من كل باب حتى وإن كان الطريق إليه غير مشروع، حفظ لنفسه صلة بربه تجعله أقرب إليه فيهديه الله حين اجتهاده في مسائل الدين إلى ما يريد الله أو إلى الأقرب مما يريد.
وهو إن سعى للحصول عليه من كل باب وإن كان الطريق غير مشروع فشل في أن يبرز في علمه، ولم يثق به المسلمون، هدانا الله جميعًا إلى الحق والخير فهو ما نرجو والله ولي التوفيق.