لم يعتنِ القرآن الكريم بمصطلح كما اهتم بمصطلح التقوى، وصفاً ومعنى، وإيجاباً وأمراً بها، ونهي عن ما يضادها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (إنْ أَوْلِيَاؤُهُ إلاَّ المُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)، ثم تتوارد الآيات آمرة بالتقوى، واصفة إياها بأنها خير الزاد لأولي الألباب، وهي نهج المؤمنين المحبين لله ولرسوله، وهي الوسيلة الأهم للوقاية من عذاب الله يوم القيامة،
وهي نهج الصالحين المتّبعون لما شرع الله، وهي في اللغة من الوقاية، فهي الصون للعبد والحماية من عذاب الله، لأنها في حقيقة أمرها اتباع لما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، ولا يكفي هذا في وصفها حتى يلحق به، وأن يكون المؤمن ذا مروءة، لا يُعرِّض نفسه أن يُعاب الفعل الذي يأتيه، ولو كان مباحاً، وما أجمل ما يقول العارفون: إن التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل، إن التقوى جوهر الدين، لذا كانت عناية القرآن بها عظيماً، فالآيات الواردة فيها الحث عليها لا يحصيها العد ، ولن تتوفر لمسلم التقوى حتى تتوافر فيه علامات كثيرة، كتعظيم شعائر الله، هذا التعظيم هو ما يجعل العبد قوي الصلة بربه، منفذ لكل ما أمر به، وترك المنكرات كلها، والابتعاد عنها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل الرضا بالمعروف وكراهية المنكر، والإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، وإتيان كل طاعة أمر الله بها، واليقين الراسخ والإيمان التام بالآخرة، والتقوى سبب أساسي لنيل مرضاة الله ومحبته، وهي مفتاح كل خير للعبد، فقد ورد في الحديث القدسي أن الله تعالى قال: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)، والمؤمنون المتقون في معية الله (إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)، والتقوى مجلبة لليسر (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)، والمؤمنون الأتقياء أولياء الله (إنْ أَوْلِيَاؤُهُ إلاَّ المُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)، والتقوى تجعل للمؤمن المخرج من كل ضيق وتجلب الرزق من حيث لا يحتسب المؤمن (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، فاللهم اجعلنا من المتقين، واجعلنا ممن يحرصون عليها ليحرصوا على أنفسهم.