لابد أن ندرك أن الحصول على الثقة يتطلب عملا وجهدا وسلوكا أخلاقيا راقيا, يشعر به كل متعامل بمن يتصف بها
في الثقافة العربية لون من التقديس ينتج عن الثقة بالناس, فهذا مسؤول جربت الحصول على منفعة منه أو حتى أدى إليك حقوقك في يسر, وثقت به, وظننت ألا يقع منه ما يلام عليه أو ينتقد, ورأيتك تنتفض كلما سمعت نقدا له في خطأ ارتكبه أو سلوك خاطئ ظهر منه, فإذا أنت مدافع عنه بلون من المبالغة لا يليق بك أو به, ولابد أن تعلم أنّ الثقة لا تتولد بما حصل عليه واحد من الخلق ولم يشعر به سائرهم, ولابد أن تدرك أن الحصول على الثقة أمر يتطلب عملا وجهدا وسلوكا أخلاقيا راقيا, يشعر به كل متعامل بمن يتصف بها, فالثقات في خلق الله نجوما في مجتمعاتهم لا يخفى حالهم على أحد, لهذا فالناس يدركون أنهم أهل الثقة فيما أوكل اليهم من عمل, أو تخصصوا فيه من علم, وحتما لا يخلو مجتمع إنساني من هؤلاء الثقات, فأنت تلجأ إلى العالم الثقة, الذي انتشر بين الناس صفته ليفتيك عما تجهل, ولكنك لا تلجأ إلى عالم لم تعرف عنه شيئا, كذلك تلجأ إذا مرضت بمرض معين تذهب إلى الطبيب المتخصص في مرضك والذي شهد له الناس بأنه ثقة في مجاله, ولا تسلم نفسك لأول طبيب يقابلك حتى لو علمت أنه متخصص في المرض الذي تعاني منه, وكذا في كل المهن والحرف والتخصصات, وعليك دوماً أن تتيقظ إلى لونين من الناس: الأول من يمارس تلميعاً لأشخاص بعينهم رغم أنه يعلم أن كل ما يقوله عنهم شهادة زور لا تنبئ عن حقيقة, وهؤلاء تراهم في كل مجتمع يمارسون هذا اللون من التزييف لمصلحة لهم عند من يلمعونه ويدعون أنه ثقة, ولبعض اصحاب المناصب والمراكز أتباع من هؤلاء يسترون عيوبهم ويدّعون لهم من المحاسن ما يدعون أنها تخفى عن الخلق, وإدراك حقيقة هؤلاء الملمعين سهل ميسور لأن من يلمعونه إذا سألت الناس عنه ستعرف الحقيقة, والناس يعزلون هؤلاء ومن يلمعونهم, حتى كأنهم المرضى بمرض يعدي ينفر منه الخلق ويبتعدون عنه خشية أن يصيبهم الداء الذي أصابهم, وفي العمل الوطني مثل هؤلاء بنوعيهم معطلون لكل عمل وطني ينهض بالمجتمعات ويعلي شأنها ويُطور حياتها حتى تكون في مصاف الأمم الحية المتقدمة, فالإعراض عنهم فضيلة والإصغاء إليهم من أعظم الرذائل, والصنف الثاني: ما ظهر حديثا الذي أسموه صناعة النجوم, والتي تتخذ من الكذب الإعلامي المسبوك أحيانا وسيلة, ومن الدعاية المحبوكة الصنعة وسيلة أخرى, وعبر نشر الشائعات أحيانا, فإذا الخامل مشهوراً, وإذا الجاهل عالما, وإذا السارق أميناً, مما رأينا مؤخرا أمثلة صارخة له في أشخاص معروفة, وخطر هذا يكمن في ميادين مخصوصة, كميادين الثقافة والأدب والعلم والتهيئة لمن لا تتوفر فيه الشروط ليكون ذا منصب أو مسؤولية عبر هذه الوسائل مضر جداً, بل كارثي بالنسبة للمجتمعات, وهو في هذا العصر شائع مستعمل, حتى رأينا واعظا أو داعية يعتمد على هذه الصناعة لتنتشر له سمعة بين الناس تجذبهم إليه, فإذا رأى أنهم أدمنوه فرض لموعظته عبر الإعلام ولمحاضرته في القاعات الكبرى أثمانا باهظة, فإذا هو بعد سنوات قليلة من أصحاب الثروات, رغم أنه أتى من بيئة فقيرة وكان مستواه المادي معلوما, مثله مثل من قدم إلى منصب وهو لا يملك شيئا يذكر, فلا يمضي عليه أعوام في المنصب إلا وكان صاحب ثروة عظيمة, فإذا الأول جعل الدين سلعة فباع دينه بدنياه, وإذا الثاني اشترى الثروة عبر خيانة ظاهرة, وهذه ولاشك ظواهر إذا تسربت إلى أي مجتمع إنساني أوهنته, وكما يقال إن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التداول, فكذلك ظهور الشخصيات المزيفة يخفي الشخصيات الحقيقية التي تعمل بأمانة لمجتمعاتها في كل مجال, فالأمين لا يجد عملا بين الخائنين, كما أن الخائن لو تكاثر الأمناء لما عرف طريقا للعمل في مجتمع مليء بالأمناء والمخلصين, فالعيون المفتوحة تفضح كل حركة تؤدي إلى ضرر بالمجتمع, لأنها ترى بوضوح أماكن الخلل والخطل فتسعى لكشفها حتى يمكن إزالتها لمصلحة الشعوب, ولعل في تعاضد الأمناء المخلصين العقلاء ما يقضي على جميع هذه الظواهر الضارة حتى يتاح للمجتمعات المسلمة أن تنهض حقيقة لا مجرد تنظير لا علاقة له بالواقع, ولعلكم تساندون هؤلاء بكل ما أوتيتم من قوة لمصلحتكم ومصلحة مجتمعاتكم, وهو ما نرجو والله ولي التوفيق.