ما من صفة تزري بالإنسان كالجهل، فهو أعدى أعداء الإنسان، فالإنسان إذا ترك العلم هبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، والجهل أن تعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه، فالجاهل يعتقد شيئًا ويتوهم خلافه، ويعرِّفه المناطقة بأنه عدم حضور الشيء في الذهن، وهو حتمًا الاعتقاد الفاسد علميًا ومنطقيًا وفكريًا، فالجهل وصف لا يطابق الواقع، والجهل ملازم للظلام والعلم ملازم للنور والاستضاءة، فأنت ترى الجاهل يعيش في ظل أوهام كثيرة تفقده أن يدرك شيئًا حوله، وكأنه يعيش منعزلًا عن الحياة والأحياء، والجهل أحد أدواء ثلاثة مدمرة للإنسانية، الجهل والفقر والمرض،
لذا كانت الشعوب تسعى دومٍا لإزالة الجهل من مجتمعاتها، لعلها إذا زال عنها وجدت في أصحاب العقول من سيجد لها من الوسائل الناجعة ما يبعد شبح المرض والفقر عنها، والظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهذا من مجاوزة الحق ويتنوع بين ظلم للنفس، ومنه أعظم معصية ترتكب على وجه الأرض وهي الشرك، وظلم للغير يقتضي قوة وسلطانًا، فالجهل والظلم صنوان، فكلاهما بعد عن الحق، وعدم إدراك للواقع، ومرتكبهما يسير في مسالك الحياة وكأنه أعمى البصر والبصيرة فلا يرى إلا نفسه، وحتى نفسه قد يظلمها ويدفع بها إلى المهالك، وتكثر عثراته وتزداد أخطاؤه، وحتما في النهاية لا يستطيع معرفة الواقع، لذا قال سيدنا حذيفة رضي الله عنه (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه)، والظالم يضم إلى جهله جهلًا أكبر حينما يغيب العدل وينساق وراء الظلم لغيره، لذا فإن ثمرة الجهل الظلم، واشتد التحذير منه فنفاه المولى عز وجل عن نفسه فقال (وماربك بظلام للعبيد) وقال:(ولا يظلم ربك أحدًا) ويقول فيما يرويه عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته فيما بينكم محرمًا فلا تظالموا). فالظلم خلق ذميم، وذنب جسيم، وأذى عظيم، ووصف لئيم، يحلق الدين ويأكل الحسنات، ويجلب الويلات والنكبات، ويورث البغضاء والمشاحنات ويسبب الأحقاد، لهذا توعد ربنا من يقع منه بالعذاب الأليم فقال عز وجل (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ويقول (واعتدنا للظالمين عذابا أليمًا)، فالظلم ظلمات تتراكم فوق بعضها في الدنيا، حتى لا يرى صاحبها قيمة العدل وما يؤول إليه من خير عميم، ثم يتلوه في الآخرة عذاب شديد، وقد يسبقه في الدنيا من العذاب ما يكافئ عظيم معصيته، أليس ربنا يقول (ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون) ويقول ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدًا) وحتمًا الظلم زائل لا محالة فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته). لهذا كانت دعوة المظلوم مجابة، فليس بينها وبين الله حجاب، فالله يرفعها فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، والذي يثير الاستغراب أن يمعن الظالم في سلوكه، ولا يدرك أن عقوبته مقررة في شرع الله في الدنيا والآخرة، ولا يدرك أن الله سيزيل عن من وقع عليه الظلم ما عانى من الظلم، ويعينه على الانتصاف من ظالمه، وقد أباح الله للمظلوم أن يجهر بالسوء عن ظالمه، ويفضحه على رؤوس الأشهاد فالله يقول (إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم وكان الله سميعا عليما، إن تبدو خيرًا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوًا قديرًا) ولعل الظلم أشد أنواع الفساد التي تصيب الحياة، فما انتشر الظلم في أمة إلا وتدهورت أحوالها، وعرّضت نفسها للزوال، فهذه مصارع الظالمين أممًا وجماعات وأفرادًا يحدثنا عنها التاريخ، وعما نال الظالمون من عذابٍ في الدنيا والآخرة، ومانال المظلومون من عدل وإنصاف ولو بعد حين، فالجهل -سادتي- يقود صاحبه إلى أن يكون ظالمًا، لأنّ من أدرك الحق وعلمه لم يجرؤ على ظلم، ودفع عن نفسه هذه الكلمات المتراكمة بالجهل والمظالم، وكان إلى الله أقرب، فالعدل يبني الأمم، والظلم لاشك يدمرها، لهذا فأرض الله التي يقطنها غير المؤمنين بهذا الدين الحنيف، ولكنهم يعدلون فيما بينهم ينتشر فيها الاستقرار والأمان، وازدهار الأوطان، وترى في بلاد المسلمين المؤمنين بهذا الدين اليوم الكثير من الفوضى المؤدي إلى الخراب، ولعل ما طرأ في الآونة الأخيرة على بعض بلداننا المسلمة من أحداث جسام سالت فيها الدماء واكتنفتها الأخطار من كل جانب إنما سبب ذلك انتشار المظالم، حتى أصبحت بعض البلدان الإسلامية لا حياة فيها لضعيف، وما ضاع ضعيف في أي أرض إلا بظلم قوي، أنار الله بصائرنا وأرانا الحق حقًا ورزقنا اتباعه، وأرانا الباطل باطلًا ورزقنا اجتنابه إنه السميع الدعاء المجيب المضطر إذا دعاه.