لا شك أن المسلمين -ذكورًا وإناثًا- يتشوّقون إلى زيارة المدينة المنورة، والصلاة في مسجد سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والسلام عليه، وقد بذلت الدولة كل جهد ممكن لتيسير هذه الزيارة؛ ليقوم بها كل مسلم في أمن وأمان، وسهولة ويسر، لكن كثير من النساء المسلمات يقلن إنه يتم التضييق عليهنّ في المسجد النبوي، ويلقين من بعض المراقبات على الأبواب وداخل المسجد من غلظة التعامل الكثير؛ ممّا يجعلهنّ محتارات في أمرهن، إن تركن الزيارة حُرمن من خير كثير، حقهنّ كالرجال في الحصول عليه، وإن واصلن زيارتهنّ للمسجد احتملن في سبيل ذلك الكثير من العنت،
والزائر للمسجد النبوي اليوم يلاحظ هذا الفصل التام بين مصلى الرجال ومصلى النساء، مع ضيق مصلى النساء، وبُعدهن عن المسجد القديم، أمّا وقت الزيارة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمحدودة جدًّا، لا يتيح لسائرهن أن يزرنه، وما تُرك لهنّ من الروضة جزء يسير لا يستوعب منهنّ إلاّ عددًا قليلاً جدًّا، وهو الموضع الذي يزرن من خلاله ساكن الحجرة -نبي الرحمة- صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم أن ما يجري في المسجد النبوي لا يعدو أن يكون اجتهادًا قُصد منه سد الذريعة لافتتان قد يقع بين الرجال والنساء، ولكنّا نعلم بيقين أن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفصل في مسجده بين النساء والرجال، لا بساتر، ولا حائط، فقد كانت النساء يصلين معه في مسجده حتى ينصرفن من صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ما يعرفن من الغلس، وصلت النساء، وطفن بالكعبة في المسجد الحرام على مر الزمان، ولم يفصل بين الرجال والنساء فيه بأي شيء، وظل الحال على ذلك في عهود المسلمين كلها، وقبل سنوات قليلة كانت النساء يزرن سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المواجهة مع الرجال، ثم خُصص لهنّ وقت كافٍ كل يوم للزيارة، يزرن فيه وحدهن، أو مع أولياء أمورهن، وكانت الروضة تُخلى لهن بعض الوقت ليصلين فيها، والذي لا نشك فيه أن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تُمنع النساء من أداء الصلوات في المساجد، فقال في الحديث الصحيح: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)، فقال بلال بن عبدالله: والله لنمنعهن، قال: فأقبل عليه عبدالله فسبّه سبًّا سيئًا ما سمعته سبّه مثله، وقال: أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: والله لنمنعهن، وعن ابن عمر أيضًا قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في جماعة في المسجد، فقيل لها: لِمَ تخرجين؟ وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار، قالت: وما يمنعه أن ينهاني، قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وهو حديث صحيح، يبيّن فقه السائل والمسؤول، والوقوف على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهيه، ولو خالف ما نرغب ونشتهي، ومادامت النساء يرغبن في الصلاة في المساجد، ولهن حق في هذا، فإن تعريضهن للحرج والضيق لا معنى له، عن طريق غلظة في التعامل، أو حجزهن وراء جدر، أو حواجز خشبية، أو مصنوعة من قماش (تيازير)، وإن كان هذا اجتهادًا من بعضنا سدًّا للذرائع قد لا تحصل، فلماذا لا يسمعون للرأي الآخر، الذي لا يرى رأيهم؟ وأنا أعلم يقينًا أن إدارة الحرمين الشريفين تقبل الرأي الآخر وتناقشه، وأنها جديرة برفع الضيق والحرج عن النساء، وتستطيع المحافظة عليهن من الفتنة بتوعيتهن وتوعية الرجال، وتحديد أماكن مخصصة لصلاة النساء، لا بما يجري اليوم، من تقسيم للمسجد بينهن وبين الرجال، وجعل ممرات لهن تحجبهن وهن يسرن فيها إلى الجزء الضيق من الروضة الذي يسمح لهن الزيارة للقبر من خلاله، وهن يرفعن شكاتهن لإدارة الحرمين، وعلى رأسها فضيلة الشيخ الجليل صالح الحصين -حفظه الله- آملات أن يخفف عنهن هذا العنت، وأنهن في الانتظار، ولعله قريبًا، وهو ما نرجوه، والله ولي التوفيق.