الثلاثاء , 3 - ديسمبر - 2024

بعض من عرفت من الفضلاء

الشيخ الدكتور صالح بن حميد رغم إعجابي بعلمه وفضله، إلا أني أدرك أنه العالم الذي عمل بعلمه فحسن خُلقُه، فما رأيته قط يقابل الناس إلا والبشاشة تعلو محيّاه..

في مساء من مساءات جدة البهية، التف علماء وأدباء ومثقفون حول فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المستشار بالديوان الملكي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى سابقًًا ورئيس مجلس الشورى سابقًا، الرجل العالم الفاضل، في دارة الوجيه الأديب الأستاذ عبدالمقصود خوجه، لتكريمه عبر منتدى الإثنينية، ومنذ عرفت فضيلة الدكتور عبر كل وظائفه الرسمية، وقبلها ما اطلعت عليه من نتاج قريحته: خطيبًا في المسجد الحرام، ومدرسًا فيه، وكتابه الرائع عن رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ذاك الكتاب الذي ما قرأه متخصص في علوم الشريعة، إلا وعرف لمؤلفه سمو مكانته العلمية، ثم ما اطلعت عليه مبكرًا بعد ذلك على محاضرة له عن أدب الاختلاف، آل في ما بعد إلى كتاب عنوانه: (أصول الحوار وآدابه في الإسلام)، وكان لهذه المحاضرة صدى كبير لدى العلماء والمثقفين بصفة عامة، بما اشتملت من فكر نير يسبر أغوار التراث الإسلامي المعتمد على الأدلة الشرعية، ليستخرج منه آدابًا وضوابط للحوار وكيف يتم وما هي غاياته، وبالكتابين يقدم فضيلته للأمة فكرًا نيرًا وسطيًا، لو التزم به المتحاورون في كل مجال لنتج عن حوارهم الخير لهم ولأمتهم.. ولو عرفوا حقيقة قواعد الشرع في رفع الحرج والتيسير لأقبلوا على تكاليف الشرع بهمة ونشاط، وكنت قبل أن أعرفه أن حفظت لوالده فضيلة الشيخ عبدالله بن حميد، وأنا لا أزال في مراحل الطلب، معروفًا لا أنساه، ففي تلك السنين التي قدم فيها إلى بلادنا من بعض البلاد العربية بعض المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين، كان أحدهم مدرسًا لنا في كلية الشريعة بمكة فكلفنا ببحث سند حديثين عن فضل العرب أحدهما موضوع والآخر صحيح، إلا أن أستاذنا -رحمه الله- أصر على أن نكتب مع البحث مذكرة عن فضل العرب، وقدمنا بحوثنا في هذا الموضوع فإذا بأستاذنا يختارني من بين الزملاء فيتهمني بتهمة كانت في حينها توجب عقابًا شديدًا، فلما علمت ذلك شددت الرحل إلى الرياض لأقابل شيخي سماحة المفتي آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله لأبلغه بما حدث، ويقيني أنه سيحميني من تهمة بذنب لم أرتكبه، وهو يعرفني، إلا أنه قال لي: «وصلني ما تتحدث عنه وأرسلته إلى فضيلة الشيخ عبدالله بن حميد، ولعله يطلب منك الحضور إلى مجلسه أنت وأستاذك، وأنا على يقين أن لن تضار إذا كان ما تقوله صحيحًا..»، وحدث ذلك وحضرنا مجلس الشيخ وأمرني أقرأ البحث، فلما قرأت منه سبع عشرة صفحة، التفت إلىّ الأستاذ وقال: هل في البحث ما تأخذ على الطالب شيئًا لم يرد في البحث حتى الآن، فلما نفى ذلك قال الشيخ يرحمه الله، لا أرى فيما قرأ شيئًا يؤاخذ عليه، فحمدت الله على ما انتهى إليه الأمر.
والشيخ الدكتور صالح رغم إعجابي بعلمه وفضله إلا أني أدرك أنه العالم الذي عمل بعلمه فحسن خلقه، فما رأيته قط يقابل الناس إلا والبشاشة تعلو محياه، وخطابه لهم الخطاب الملتزم بأدب الإسلام، وكانت رئاسته لمجلس الشورى، من خير فترات المجلس، لحسن تعامله مع الجميع ودماثة خلقه المعروف بها، وتوليه رئاسة مجلس القضاء الأعلى كانت فترة عقد عليها الكثيرون الآمال في تطوير جاد في تراتبية المحاكم وآليات التفاضي، إلا أن الفترة الزمنية التي قضاها في المنصب لم تتح له أن يبذل جهدًا في هذا الاتجاه، وأظن أن الفترة التي كان فيها رئيسًا عامًا لشؤون المسجد الحرام، والمسجد النبوي، كانت أجمل فترات حياته، وكان بينه وبين العاملين في إدارته الكثير من الود والمحبة، وقد تحدث إلينا في هذا المساء الجميل الذي جمعنا الله به فيه عن آخر كتاب له وهو المعنون: (تاريخ أمة في سير أئمة)، يؤرخ فيه لأئمة الحرمين الشريفين منذ عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحتى اليوم، وهو بحث غير مسبوق فيه، فلم نر تاريخًا لهم عبر ما مضى من أزمتنا الإسلامية، ولا في عصرنا وحدثنا عن ما لقي من صعوبات جمة، خاصة صعوبة الوصول إلى معلومات عن هؤلاء الأئمة في المصادر التاريخية المتاحة، وقد بذل جهدًا كبيرًا ليخرج هذا الكتاب للناس، الذي يسد فراغًا في مكتبتنا التاريخية عن المسجدين الطاهرين، وهو جهد زاده عندنا فضلًا، وهو يستعد لبحث قادم عن المؤذنين في المسجدين، ويطمح أن يعد بحثًا مستقبلًا عن المسجد النبوي، فهنيئًا لشيخنا الجليل أن عاش قريبًا دومًا من المسجد الحرام طالبًا ومدرسًا ومسؤولًا، حتى استحوذ المسجد الحرام والمسجد النبوي على كل اهتمامه، فالشيخ يحفظه الله نموذج حي للعالم الذي ينفع الناس بعلمه، نسأل الله له دومًا التوفيق والسداد.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: