لا شك أن العلم بالدّين منه ما هو فرض عين على كل مسلم، وهو ما يترتب عليه عبادته لربّه، فلا يصح أن يجهل شيئًا يتعلّق بما هو فرض عين ليعبد الله عبادة صحيحة، مَن فرّط في شيء من هذا، ولم يتعلمه عبد الله على جهل، وما علا ذلك من العلم بالدّين هو فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، والعلماء لهم درجة أعلى.. فالله عز وجل يقول: (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، وينبهنا للفرق بينهم وبين غيرهم من عامّة المسلمين فيقول: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، والعلماء بهذا هم أولى الناس بثمرات هذا العلم، فهم ورثة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فأولى ثمرات هذا العلم أن يكون حامله على خُلق حسن، يقتدي بما كان خلقه القرآن، فهذا الدّين يعلّم أتباعه الفضائل، ولا يتصوّر العالم بالدّين بدون تلك الفضائل، وإلاّ فمحروم من أهم ما يهدي إليه الدّين، والعالم أشد الناس خشية لله، فربنا عز وجل يقول: (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فحصر خشيته فيهم ليدل على أنهم أولى الناس بها، فإذا لم يخشَ اللهَ مَن يدّعي أنه عالم، فاعلم أنه ليس بعالم، وهي ثمرات العلم الأساسية العلم بما تعلم، فمن وعظ الناس وأمرهم بمعروف ونهاهم عن منكر كان أولى الناس بالالتزام بما أمر، واجتناب ما نهى، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه)، ولا يمكن لطالب علم أن يتصوّر نفسه في هذا الوضع أبدًا، وهو يعلم يقينًا أن العلم يزيد التقى، ويلزم العبد بها، فالعلم لا يتأتى لمن لا يتقي الله به، فهذا الذي يرتكب المعاصي من كل لون ليس عالمًا، وإن ادّعى العلم، وهؤلاء الذين يدّعون العلم ولا تجد من أخلاق العلماء، التي صُنّف فيها علماؤنا على مر الأعصار شيئًا، وتجد فيهم المخالفات لأوامر الله ونواهيه فهم حتمًا حتى وإن علموا شيئًا من علم الدّين فلم يؤثر فيهم لا يمكن اعتبارهم علماء، ولا أخذ العلم عنهم، فهم لا يختلفون عن باقي أهل المعاصي في شيء، ولكنهم يختفون بمعايبهم عن الناس بادّعاء العلم، واسوأهم من يتاجر بالدّين، فيطلب الدنيا بالعلم، جعلني الله وإيّاكم ممّن يعلمون ليعملوا بما علموا فهو وحده ولي التوفيق.
Check Also
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …