لعلنا اليوم ندرك جميعا أن أسلوب الحوار بيننا يتوالى انحداره، وما علينا سوى أن نصغى لما نسمع في المجالس وفي النوادي، بل وفي المحاضرات، بل وفي دروس دينية واجتماعات، فما أن يثور بيننا خلاف، إلا وتسمع من ألفاظ الحوار المتدني ما يقشعر له بدنك، من السباب والشتم، والتهم التي قد يبلغ بعضها الحد الذي لا يطيقه العقلاء، وننسى أننا الأمة الوارثة لدعاة دين، جاءنا مَن أرسله الله به –صلى الله عليه وسلم- ليُخرجنا من الظلمات إلى النور، فقدم نفسه إلينا بقوله: (إنما بُعثت لأُتمِّم مكارم الأخلاق)، لذا قال حاثا على حسن الخلق: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً)، ورغَّب في حُسن الخُلق، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما من شيء أثقل في الميزان من خُلق حسن)، وكل ما عرفناه من أدب الحوار الذي جاءت به الشريعة، وللأسف، كاد أن يكون بين الجميع مفقودا، إلا من وفقه الله للاتباع والاقتداء بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن قل أن نتحاور بحُسن قصدٍ، أن نصل إلى الحقيقة، بل غاية الغالب من الحوار على الانتصاف من الخصم المحاور، وإظهار ضعف موقفه، إن لم يكن الغاية السخرية منه، فالمتحاورون لا يتواضع أحدهم للآخر، بل يتعالى عليه، بل ولا يصغى إليه، بل يشغب عليه حتى لا يترك له فرصة في أن يرد عليه، وإذا رأى أنه على الحق لم ينصفه، رغم أنه يردد دوما أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، إلا أنه يصر أنه الحق الذي لا مرية فيه، والطامة الكبرى أن احترامنا لبعضنا كاد أن يكون مفقوداً في هذا الزمان، مما يدل على أن الكثير من المتحاورين قد أفلسوا، ولم يمتلكوا حُجَّة حين التحاور، فيستبدل ذلك برفع الصوت وحشد عبارات الإساءة المؤذية، ويظن أنه بذلك ينتصر على من اعتبره خصما له، بمجرد أنه يختلف معه على رأي أو وجهة نظر، وهو لا يدري أنه بهذا يظهر شديد ضعفه، وأنه لم يتأهل أصلا للحوار ولم يستعد له، ويكاد أن يفقد في حوارات الكثيرين منّا الغاية من الحوار، وهو الوصول إلى الحقِّ والحقيقة، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: (ما ناظرت أحدا إلا وتمنيت أن يكون الحق على لسانه)، وهنا تنتفي الأغراض الخاصة البعيدة عن حسن القصد، فليس المهم أن ننتصر على خصومنا في الحوار، بل يجب ألا نعتبرهم خصوماً لنا، بل إخوان لنا، نرجو أن يهتدوا إلى الحق بنا، أو نهتدي نحن إلى الحق بهم، هذا هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.