إن من أدرك أحكام الدين حقيقةً، عَلِمَ أن جوهره حسن الخلق، فالله عز وجل يأمرنا في كتابه بقوله: (وقولوا للناس حسنًا)، بل ويثني على أهل الحسن فيقول: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، بل بعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتمام الأخلاق فقال: (إنما بُعثت لأُتمِّم مكارم الأخلاق)، ومن عرف اللغة العربية عرف أن هذه الجملة قد حصرت بعثته عليه الصلاة والسلام في مكارم الأخلاق، بل وأوصانا صلى الله عليه وسلم فقال: (اتق الله حيثما كنت، واتبع الحسنة السيئة تمحها وخالق الناس بخلق حسن)، بل كان صلى الله عليه وسلم نموذجا يحتذى في حسن الخلق، قال سيدنا أنس رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا)، وينفي سيدنا عبدالله بن عمرو بن العاص، كل خلق بذيء عنه عليه الصلاة والسلام فيقول: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا)، وتصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبي الكريم فتقول: (كان خلقه القرآن)، والقرآن كما نعلم دستور الخلق الحسن لمن عمل بما جاء فيه، وربنا عز وجل يثني عليه ويقول على سبيل التأكيد: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وابحث عن كل خلق حسن ستجده فيما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – من هذا الدين الحنيف، يبذل الخير ويكف النفس عن الشر وجماع الخلق الحسن هذان الأمران معًا، ومعها صفات خلقية لا يحصيها الحصر تمتع بها المسلمون في عصورهم الأولى، حتى أعجب بهم الناس وآمنوا بدينهم فالصدق والأمانة وحسن الجوار، وصلة الرحم، وحسن العهد والوفاء، والمكافأة على المعروف وغير ذلك من الصفات الإيجابية، وصفات أخرى ككظم الغيظ والصبر على المكروه، والعفو عند المقدرة، ومقابلة الإساءة بالإحسان، وقد حثنا سيدنا وإمامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسن الخلق فقال: (إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا)، وقال: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا)، وروت عنه أمنا أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق قوله: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، فكنا يوم أن اتبعنا ما دعانا إليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيش صفو الحياة، ويبتعد عنا كدرها، وكانت سمعتنا بين الأمم خير سمعة أمة أخرجت للناس، تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، واستطعنا كأمة أن نتقدم الأمم بأخلاقنا وأفعالنا الحسنة، التي أكرمنا الله بها، ولم تكن سمعتنا الجيدة بين الأمم تعود إلى أننا الأمة العظمى بقوة السلاح، ولا بقوة المال، وإنما بما شاع عنا من الخير كله، وتخلينا عن الشر كله، وإشاعة العدل بين الناس فيما امتلكنا من أرض آلت إلينا بهذا الخلق الرفيع، والذي لاشك دعمناه حينئذ بقوى أخرى منعت عنا العدوان، بل حفظ عنا التاريخ من المكرمات ما قدره الناس لنا في ماضينا، ومنحنا الله الرزق حتى أصبحت خزائن الدولة الإسلامية تمتلئ بصنوف الأموال، وتنشر الرخاء في امبراطورية كادت تملك العالم القديم كله، ومنذ تخلينا عن تلك القيم ونحن ننحدر حتى أصبحنا دولًا لا تملك من أمرها شيئًا، فهل لنا عودة إلى ذاك الماضي العريق؟.. هو ما نرجو بخلقٍ رفيع وسلوكٍ قويم وإيمانٍ راسخ بأخلاق هذا الدين، والله ولي التوفيق.