هذا اللون من الاختلاف إذا ساد فعل في النفوس فعلا متعاظما يولد التحاقر بين المتحاورين, مما يولد مجموعات كل واحدة لا تنظر للأخرى إلا بنفس الأسلوب
في خضم ما يجري في ساحتنا من اختلافات تقود إلى حوار نهمل فيه الآداب التي ترتفع به إلى المستوى اللائق به وبنا, والذي يبني ولا يهدم, والذي غالبًا ما يؤدي إلى أن نتفق على المشترك بيننا, ويعذر بعضنا بعضًا فيما لم نستطع أن نتفق عليه, ويبقى اختلافًا لا يفسد للود قضية, ولا اقول هذا لأني أهدف مثالية لا تتحقق في الغالب, بل إن إيماني بما اقول ناتج عن تجربة عبر تاريخنا حدثت أحيانًا وهي عند غيرنا ظاهرة في بلدان متقدمة كثيرة, وإنما غياب القيم والآداب عند الاختلاف سلوك ظهر عند بعض التيارات التي ظهرت عندنا, وترسخ هذا السلوك وشاع, فالاختلاف ينتج عند الكثير من السقوط الأخلاقي, حيث ينحرف إلى الذم ثم السب والشتم بل والفجور المنهي عنه أحيانًا, ومن يراجع الردود التي تجري أحيانًا, يشتم فيها رائحة عدم احترام المختلف, أوالاهتمام بشأنه, يسوء الحوار بين المختلفين وينحدر إلى لون الصراع المؤدي إلى كراهية وبغضاء, فأحد المختلفين يقول للآخر: ما تقول لا يجرؤ عليه عالم, ولا يقول به عاقل وما تطرح لا يطرحه إلا جاهل, فيجرده من العلم والعقل وينسبه للجهل, ولا يكتفي بهذا, إن لم يذكره بالاسم عرض به فقال: لا يقول بما تقول به من يعتد برأيه, وإذا نظرت إلى المخالف, الذي وصف بكل هذا وجدته أكثر منه علمًا وأبرع منه في الحوار, وأقدر على أن يبرز علمًا واسعًا وخلقًا رفيعًا, ولكنه في الحقيقة لا يختلف معه على رأي أواجتهاد, إنما لديه رغبة عارمة في أن يلغي وجود رأيه وقوله تمامًا, وإن لم يكن كذلك فلا أقل من أن يكون له مساويًا, لا يتفاضلان في علم أوأدب, ولكن التنافس بينهما يبلغ من الحدة مبلغًا يخرجه من التنافس إلى العداء وهذا اللون من الاختلاف إذا ساد فعل في النفوس فعلًا متعاظمًا يولد التحاقر بين المتحاورين, كل منهما «يحتقر صاحبه, وهوبهذا يقود تجمعات, كل مجموعة لا تنظر إلى الأخرى إلا بنفس الاسلوب, لأن الاختلاف لا يقتصر على أثنين, بل ينضم إلى كل منهما مؤيد له فيما يقوله فينشأ من هنا التيارات المتصارعة.. والتي تملأ ساحتنا اليوم ثم تتعاظم فتنقسم, فقد رأينا من قالوا إنهم سلفيون في هذا العصر تعددت رؤاهم فأصبحوا فرقا متعددة, وعلى هذا الاسلوب تعادت, وأصبح بعضها يكره البعض الآخر, وقد تجد هذا فيمن أسموا أنفسهم دعاة, وهم في الحقيقة وعاظ كان يطلق عليهم في ماضينا القُصَّاص, ولا تزال عيوبهم هي العيوب ذاتها, رغم تباعد الأزمان, نجدهم يختلفون بنفس الأسلوب, ثم يؤول الأمر إلى أن يكون نجمًا منكدرًا في فئته وجماعته, له اتباعه الذين من أجله يواجهون الآخر المختلف وجماعته, وعانى المجتمع من هذه الاختلافات واشتغل بها عن العمل للوطن وبنائه والرقي به إلى مصاف الأمم الحية, واضطربت حياة الناس من أجل ذلك, عندما يعجز الناس عن إدراك من هومن المختلفين الذي معه الحق, فكل منهما يدعيه فردًا كان أوجماعة, وقد مر بنا زمان كان من المختلفين من نظّر للعنف ودفع شبابًا من شباب هذا الوطن إلى الهجرة إلى مختلف الأرجاء يبحثون عن بؤرة صراع وقتال ليشتركوا فيه فيقاتلون ويُقتلون, وتحزن الأمهات والآباء, ولايزال بعضهم يمارس هذا التحريض سرًا, وهوشر لا يصنع للإسلام نصرًا, تسميته بالجهاد جهل وقصور في الرؤى, ومعلوم أن هذا الصراع لا يقتصر على من ذكرنا, فبعض من يحملون العلم الشرعي أوهكذا تصوروا أنفسهم, يتنافسون مع من لا يحمل هذا العلم, ويظنون أنهم أوصياء عليه, فترى بعض المثقفين هدفًا لهذا اللون من الاختلاف مع بعض حملة العلم والدعاة والوعاظ, ومن هذا ظهر ما نسميه التصنيف فأطلق كل فريق على الفريق الذي يختلف معه أوصافًا يظنها تسيء اليه, فهؤلاء علمانيون أولبيراليون, أوقوميون أوشيوعيون, والكارثة أن يكونوا منافقين أوملحدين, ويطلق الفريق الآخر على هؤلاء أنهم ظلاميون يجهلون الواقع, وهم مؤدلجون لايرعون إلا ولا ذمة فيمن يختلف معهم وإن قال مخالفوهم إنهم إسلاميون دعوا الواحد منهم «الإسلاموي» حتى يحرموه من دعوى الانتماء إلى الإسلام كما فعلوا معهم من قبل حين صنفوهم بألقاب يُشتم منها عدم الانتماء إلى الإسلام وهذا اللون من الاختلاف قد يكون باب فتنة يفتح في هذا الزمان المضطرب, والذي وقعت فيه الأحداث لإحداث فرقة بين العرب وبين المسلمين, لهذا وجب علينا أن نحذر من هذا اللون من الاختلاف, ولا نسمح بأن يكون بيننا شيء منه, وأن ندعوإلى حوار ملتزم بآداب الدين وقيمه, فنحن نعلم علم اليقين أن كل هذا محرم في شرع الله, ولا يحل لأحد منا أن يحتقر أخاه فإذا لم نلتزم آداب الدين وقيمه, فنحن نسقط أنفسنا في زمان أخطاره كبيرة وحاجتنا أن نكون صفًا واحدًا في وجه كل فتنة يثيرها الأعداء في وطننا, وأملنا أن يفقه كل واحد منا أن الاختلاف إذا قاد إلى قطيعة وكراهية وبغضاء وجب الكف عنه, فهل نفعل هوما نرجو والله ولي التوفيق