نحن قوم نعيش في أرض معظمها صحارٍ قاحلة، نزول المطر فيها رحمة نهلل لها، وغزارته مما نفرح له، لما له من مردود على المياه الجوفية، التي هي المصدر الاول الذي نعتمد فيه على توفير مياه الشرب والزراعة، ولولا ان هذه المحطات الآلية لتحلية مياه البحر قد استحدثت لظللنا حتى يوم الناس هذا في محنة اذا غابت عنا الامطار، وطبعاً لا نزال نتطلع عند كل مساء وصباح الى السماء، آملين ان نرى السحب تتكاثف فوق الرؤوس، مؤذنة بخير عميم تأتي به الأمطار، ففلاحنا هي امله، ورجلنا في البادية هي فرحته الغامرة، لذا نحن دوماً نكرر اقامة صلاة الاستسقاء في كل ازمنتنا، نرجو ان يرحمنا الله بهطول الامطار على ارضنا،
فاذا كان المطر بالنسبة الينا ضرورة حياة، فالاصل ان نراعي ما يجلبه لنا من خير تحيا به العباد والبلاد، وما قد يجلبه معه من كوارث اذا تدفقت سيوله، وغزر هطول مياهه، فنوجد من السدود ما نحفظ به هذه المياه لنستخدمها في الزراعة، ولان تمكث في الارض فنستخرجه زلالاً نشرب منه، ولشتى الاستعمالات بعد، وان نبني مدننا وقرانا ومجمعاتنا السكانية كافة بعيداً عن مجاري السيول، وما نبنيه مضطرين بقربها نحتسب عند التخطيط لذلك ان تكون للسيول مجاريها النافذة التي لا يعترض طريقها بناء، حتى تذهب في طريقها لا يعترضها شيء، ننتفع بها ونسلم من قوتها، التي قد تكون احياناً تدميرية، واذا تساءلنا هل فعلنا كل هذا، فاظن ان الاجابة لن تكون في صالحنا، فنحن باختيارنا جعلنا الاراضي اثمن السلع واغلاها قيمة، فاذا التراب كالتبر، كل شبر منه له ثمن باهظ، ودفعنا هذا لاستغلال كل جزء منها في محيط المدن، واصاب المستثمرون فيها نهم من تحصيل الثروات المتراكمة من بيعها، حتى ولو كان ذلك عبر تعريض الناس للمخاطر، ببيعهم اراض يتضح في ما بعد انها في مجاري سيول جارفة، تأتي على كل بناء فيها ومن فيه من البشر، وكم اكتشفنا بعد طول زمن ان المدن لا بنية اساسية يخطط لها قبل انشائها فيها مجار للسيول واقنية لتصريف مياه الامطار، واقنية للمجاري نحفظ للناس صحفتهم، ولا تروي الارض بالمياه القذرة، ولكنا بعد ان اقمنا مدناً عظيمة يقطنها مئات الالوف والملايين احياناً، امتلأت بالعمارات والفيلات، والاسواق، والمدارس، والفنادق، والادارات الحكومية، ولا بنية اساسية مخططة لها، فعانت على مدى زمن طويل، ولم يلفت نظرنا لهذا النقص الا امطار غير معهودة، اجتاحت بعض مدننا، خسرنا في احداثها الكثير من الارواح وخسرنا العديد من الاملاك، وبدأنا نراجع انفسنا ونبحث عن الحلول، ولكنا ايضاً قوم لا نحب التعجل في اي من امورنا عظم ام صغر، ففي العجلة الندامة، في التريث كل السلامة، «وما جابه العجلان جابه الريض» كما هو مثلنا الذي نردده كلما رأينا مستعجلاً ليتم امراً، ولهذا علقت بعض المشاريع ولم تنفذ عشرات السنين، وحينما اكتشفنا اننا تأخرنا في تنفيذها كانت خسائرنا قد تعاظمت حتى لا نعد نستطيع ان نحصيها، وهذه مدننا الرئيسية الرياض، والدمام، وجدة، ومكة، والمدينة، وغيرها تعاني حتى هذه اللحظة من غياب البنى الاساسية، وما كان ظاهراً من هذه البنى بمجرد هطول الامطار يختفي، او يخرب ولا يعود يقوم بما بني من اجله، وهذه انفاقنا داخل المدن يكشف لنا كل مطر يهطل انها مصائد للسائرين فيها ان لم يغرقوا ليقظة فيهم فاستطاعوا الفرار قبل ان تغمرها المياه فسياراتهم ستفسدها المياه لا محالة، وهذه بعض احياء مدننا اذا هطلت الامطار احاطت بها المياه من كل جانب حتى لا يجد لها المواطنون طريقاً يصلون به اليها، وها نحن كلما انذرتنا السماء بماء منهمر سبقنا ذلك بايقاف الدراسة في مدارسنا، وحذرنا الناس من الخروج من منازلهم، وقلنا لمن بنيت منازلهم تحت سمعنا وبصرنا في مجاري السيول او قربها اجلوا عنها، ولا يزال علاج مثل هذا كله لم يكتمل وموسم الامطار حان اوانه وكل الحلول المؤقتة ما أجدت في الماضي ولن تجدي في حاضر او مستقبل. في صد اخطار الامطار عن مدننا، ولن ينجيها الا عمل متواصل يصل ليله بالنهار لاقامة هذه البنية الاساسية على اسس مدروسة ومهما كان قدر المبذول من المال لاقامتها، وان نسابق الزمن في اتمام مشاريعها ولنشد على ايدي العاملين المخلصين حتى ننهض بالوطن.. ولعلنا فاعلين.