تيار الغلو يولد تيارا ضده

كلما ساد تيار الغلو في الدين بين المنتسبين إلى علم الدين حقيقة أو ادعاء، وهو بين الأدعياء أكثر لسوء فهمهم لنصوصه، ولا تياراً مناهضاً له سواء بين العلماء الحقيقيين، الذين آتاهم الله في الدين فهماً متفوقاً، وهؤلاء إذا وجدوا عدلوا ميزان الكفة إذا وجدوا من يدعمهم من السلطة والعامة معاً، ولكن أهل الغلو لهم من الأساليب ما يجعلهم يهزمون هذا التيار خاصة إن وجدوا عوناً من خارجهم، خاصة إذا غلا فيهم من العامة من يدعمهم بالمال ويقربهم من السلطة أحياناً بحسن نية في كثير من الأحيان، وان لم تستبعد سؤوها.
ولكن التيار الأخطر من يغلون في المناهضة وغالباً هم ليسوا من علماء الدين ولكنهم من تيار الثقافة العام، والذي قد يختفي بين صفوفه من يشككون في حقائق الدين ويناهضون الدين لا تيار الغلو، وهؤلاء في الخطر يماثلون تيار الغلو في الدين، فكلاهما يشوه الدين أحكامه ومقاصده وقواعده وصولاً إلى ما يريد من اضعاف التيار الغالب ممن يتمسكون بالدين ويسيرون على مناهجه، فتيار الغلو يحشرهم فيما يسميهم الفسقة والضالين والمبتدعة، ليضعف تأثيرهم على سلوك عامة المسلمين، وأما التيار الآخر والذي يستهدف الدين بجرائم كبرى من التشكيك في مصادره، فيفسر آيات الكتاب الكريم بهواه وبما تحقق له غاياته ويؤول صريحها بمالا تدل عليه أصلاً، فهو لا يمتلك الأدوات لفهم نصوص الدين، وينكر السنة النبوية، ويدعي أنها إنما هي مرويات كذب تدعم السلطان وليست مرويات صدق، ولا يستقي من مصادر السنة شيئاً، إلا وتناوله بالقدح والذم، وهذا التيار لا يكتفي بهذا بل يتناول كل تراث العلم الديني بالتشويه مدعياً أنه إنما هو نتاج علماء سلطة، فيلغي بزعمه كل ما تراكم من العلم الشرعي في شتى علومه، ويطالب بتجديد يرضيه، وهو التخلي عن كل هذا، ليصبح له كل شيء مباح، مع أنه لو فعل المحرمات مستتراً لم يعلم به أحد، ولا أعفى نفسه من هذه الجرائم المتلاحقة ضد الدين، فالدين صان أعراض الناس ونهى عن استباحة أسرارهم أو الاطلاع على معايبهم، بل وتهدد من يبحث عن نقائص الخلق ليطلع الناس عليها، بأن يبتليه بمن يكشف سره ويبين عواره، أما معاداة الدين فجرم عظيم لعل صاحبه لا ينجو في الدنيا ولا في الآخرة، ويكشف سره للناس حتى لا يبقى مما يسر شيئاً مصوناً، وقد رأينا من هؤلاء نماذج لا حصر لها.
وهذا التيار اليوم يتنامى في مجتمعنا ويظن أهله جهلاً بأن تشوييهم الدين والاعتداء عليه هو هجوم على أعدائهم تيار الغلو، وهم لا يعلمون أنهم يمدونهم بعون يجعلهم هم التيار الأشمل والأعم، فهم في الظاهر يحمون الدين ويصونون أحكامه، وكلماتهم في هذا السياق تستنهض همم العامة بما يشيعون بينهم أن هؤلاء يريدون هدم الدين واشاعة الفساد بين المسلمين، فيمنحونهم قوة كانوا يفتقدونها، لأن المسلمين يعلمون أن دينهم وسط بين المغالاة فيه أو التملص من أحكامه، فالله جعلنا أمة وسطاً تهتدي بنا الأمم، وجعل ديننا خير الأديان لا غلو فيه ولا تشدد بل وسطية وتسامح، وخدمته لا تكون إلا ببيان حقائقه كما هي، وكما أنزل على سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا يعلمها إلا العلماء الراسخون ممن حباهم الله بخشيته لا يغلون فيه، ولا يدعون إلى هدمه، والطرفان بعدهم أهل غلو في الدين أو غلو في معاداته وكلا فعلهم شر على الدين والأمة يجب أن يتقى وأن نعاهد الله على مواجهته صوناً للدين من كل من أراد تشويه حقائقه مما قاد إليه الجهل في الطرفين، فاللهم احفظ ديننا وصنه من كل من أراده بسوء لنعمر به دنيانا وآخرتنا، فاللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه إنك سميع مجيب.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: