الأديب المهتم بالآثار الإسلامية

فجعتُ بخبر وفاة الأديب الروائي الأستاذ جمال الغيطاني، الذي وافته المنية في يوم الأحد 4/1/1437هـ، بعد صراع مع المرض استمر ثلاثة أشهر، وهو في غيبوبة، وقد عرفت الأستاذ الكبير حينما كان رئيسًا لتحرير جريدة أخبار الأدب، وكنت أراسله حينها، وينشر لي مقالات تعليقًا على ما يُنشر في الجريدة، ثم لمّا قابلته كان تأثيره في نفسي كبيرًا، لدماثة خلقه، ولثقافته الواسعة، ثم جمعني به أمران كلانا يهتم بهما، فهو من المهتمين للتراث، والتاريخ، والآثار الإسلامية بمصر، وكان له أجمل الذكريات عن الأزقّة والحواري المصرية المنسية، تعرفتُ عليه كأديب حينما قرأتُ له في زمن مبكر كتابه: «أوراق شاب عاش منذ ألف سنة»، ثم تابعته عبر إنتاجه الغزير الذي بلغ 31 كتابًا، والأمر الثاني الذي جمعني به اهتمامه بالأدب الصوفي، والفلسفة الصوفية، وهو من قرّاء الفتوحات المكية، ويعتبره من الكتب المؤثرة في ثقافته مع كتاب: «بدائع الزهور في وقائع الدهور»، والكتاب الفرعوني «كتاب الخروج إلى النهار»، وكنت كلّما زرته أصغيتُ إلى أفكاره، وقد حاول جهده أن ينشر وعيًا بآثار مصر خاصة الإسلامية منها، وكان يتجوّل بين أحياء القاهرة الكبرى الأثرية، ويسجّل عنها البرامج المرئية والمسموعة، وكل رواياته وكتاباته تنبش في التاريخ، وتستجلي موضوعاته، ومن كتبه التي تأثرت بها التجليات، ودفتر التدوين بأجزائه الثلاثة أولاً، ورسالة في الصبابة والوجد، وسفر البيان، وشطح المدينة، ومتون الأهرام، ويوم أن سمعت خبر وفاته انهالت عليَّ صور كثيرة لهذا الراحل العظيم، ذي الخلق الرفيع، وجم التواضع، الذي سكنته مصر قبل أن يسكنها كوطن، لا تشعر بحلاوة حديثه إلاّ إن تحدث عنها، أعجب الرئيس جمال عبدالناصر بمقال له نشره في جريدة الأخبار بعنوان: «المقاتل المصري»، وقابله على خط النار حينما كان مراسلاً عسكريًّا، إلاَّ أنه أيضًا سُجن في عهده في عام 1966م، وقد ظلت علاقاته الحميمة بالأديب نجيب محفوظ إلى أن توفاه الله، وكتب عنه بعد وفاته وقبلها، وكتابه «توفيق الحكيم يتذكّر» يدل على شيء من هذه العلاقات، وعلاقته بالشاعرين أمل دنقل، وعبدالرحمن الأبنودي أشهر من أن يتحدّث عنها، واجتماعهم بمقهى الفيشاوي الشهير من تاريخ مصر الأدبي، وقد ترجم الكثير من نتاجه الأدبي إلى الألمانية، والفرنسية، ونال وسام الاستحقاق الفرنسي من طبقة فارس، وجائزة لور باتليون لأفضل عمل أدبي مترجم للفرنسية، كما نال جائزة الدولة التشجيعية، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى مع جائزة الدولة التقديرية، كما حاز على جائزة سلطان بن عويس.
رحم الأديب الراحل، وغفر له، وأسكنه الجنة بعفوه وكرمه، وعزاؤنا لمصر، وأهلها، وأسرته الصغيرة.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: