الإسلام دين لا تراث

كلمة التراث وردت في كتاب الله، فالإرث هو ما تركه الميت بعده من مال يرثه وارثوه من الرجال والنساء، لذا ورد في كتاب الله في سورة الفجر قول ربنا عز وجل: (وتأكلون التراث أكلاً لمًّا) أي ما تركه لكم الوارثون من أموال تحبونها وتأكلونها، وعنى ذلك ميراث النساء والأولاد الذي تركه لهم مورثهم، وأكله مباح لهم وفق علم الإرث أو الفرائض. وقد يتسلط بعض الوارثين على الأنصبة التي افترضها الله للنساء والأولاد لضعفهم ويمنعهم من إرثهم من مورثهم، وفي الآية ما يشبه النهي عن ذلك، وستجدون ألفاظاً أخرى في القرآن تدور حول هذا المعنى: الوارث والوارثين والميراث… إلخ، فالتراث كما ورد في كتاب الله وهو أصدق كتاب على وجه الأرض لم يعنِ قط ما ورثه البشر من الأفكار أو العلوم والآداب والفنون، ولهذا ظهر في تاريخ الإسلام علم أسماه علماء الأمة «علم المواريث»، وهو أحد علوم الإسلام المهمة، فهو علم توزيع تركة الميت بين الوارثين وفق ما شرع الله، ولا اختلاط قط لا لغة ولا اصطلاحاً بين الإرث بهذا المعنى، وبين مورثات البشرية من آداب وفنون وغيرها، فالاختلاف واضح بيِّن، ومن يخلط بينهما لاشك أنه سيىء النية، فمن يُسمِّي علوم الدين تراثاً إنما يسعى للخلط بين شيئين مختلفين، فالدين شيء وموروثات الأمة من لغاتها وفنونها وآدابها شيء مختلف اختلافاً كلياً، وكذلك علوم الدين المعروفة من الحديث والفقه والتفسير وأصول الفقه ومصطلح الحديث وغيرها، وهي علوم يعرفها العالمون بها ويفرقون بينها والموروثات البشرية من آداب وفنون وكذلك آثار في الأرض مما أبقته الأمم عبر التاريخ، ولكن من يريد الخلط بين التراث بمعنى الإرث وما تركه الميت من مال لورثته لغاية في نفسه فهو إنما يريد خلطاً بنية سيئة، كذلك من يريد الخلط بين الإرث وبين علوم الدين بعامة فهو كذلك، فالأصل في الدين أن حقائقه وأحكامه إنما هي موروثة عن الله عز وجل، يرثها العلماء لتنتقل منهم إلى العباد كما أنزلت، فالعلماء ورثة الأنبياء، وكل محاولة إن كان المراد منها التهوين من شرع الله المنزل على سيدنا محمد فلاشك أنها شر لا يجب أن نتهاون به على أي لسان، ويجب أن ننتبه لكل من يريد إضاعة الدين، فإذا سمعت من يقول إن التراث يمكن تأويله ويمكن نقده فلتسأله عن ما يعني بهذا التراث فإن قال لك إنه علوم هذا الدين المعلومة للجميع، فقل له إن المصدر ليس واحداً، فعلوم الدين أصلها مبنيٌّ على أدلة شرعية إما أن تكون مقدسة كالكتاب والسنة، أو تعود إلى هذين (الكتاب والسنة) كالإجماع والقياس، وعلى هذه الأربعة قام الدين، وسيبقى أبداً ولن نقبل من أحد العبث به.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: