توثيق الخبر الصحفي

لا شك أن الخبر الصحفي إذا لم يعتمد على معلومات صحيحة ولا ‏مصدر موثوق له، فانه لا يصبح حينئذ خبرًا، فقد يكون مجرد رأي ‏لكاتبه يقوله في ما هو ليس من اختصاصه، ولم يطلب منه إبداء ‏الرأي فيه، أو أن يكون مجرد إشاعة تتردد يصوغ منها المخبر خبرًا ‏ينشره في صحيفته فيزيدها انتشارًا، وأظن أن بعض الصحف حتى ‏اليوم لم تضع معايير للخبر الذي تنشره، ولم تؤاخذ قط مخبريها على ‏ما نقلوا من أخبار واتضح أنها غير صحيحة، ولعل الكاتب اليوم إذا ‏قرأ في بعض الصحف خبرًا لا يستطيع ان يجزم بصحته، ويخشى إن ‏علق عليه أن يكتشف عما قليل عدم صحته، كما حدث هذا مرارًا، ‏وخاصة إذا كان الخبر يتعلق بإدارات وأجهزة حكومية، هي في العادة ‏تنفي كل خبر ينشر عن أي قصور في أدائها، بل وتكذب كل خبر ‏ينشر عنها ترى أنه في غير مصلحتها، أم لم يكن واردًا من إدارات ‏العلاقات العامة فيها، ويصبح الناس في حيرة مما ينشر عبر وسائل ‏الإعلام، والذي لا يجد له في الغالب صدى لدى الأجهزة الحكومية، ‏إلا إذا كان نفيًا عن كل ما يصدر عنها، أو دعوى إساءة فهم لكل ما ‏صدر عنها، وأحيانًا نجد خبرًا منقوصًا، يذكر طرفًا من معلومة ‏ويخفي سائرها، لأن المخبر الذي كتبها لا يستطيع أن يصرح بكل ما ‏عرف خشية أن تكذبه الجهة التي نشر عنها الخبر.
وأنا لا أدري ما ‏تصنع أقسام الإعلام في جامعاتنا لإعداد كوادر للصحافة مؤهلة ‏تستطيع أن تحافظ على صحة الأخبار عبر معايير علمية ثابتة، لا ‏تدخلها اجتهادات العاملين في الصحافة خاصة في أقسام الأخبار، ‏ولست أدري إن كانت الصحف تختار مخبريها على أسس علمية ‏بحيث تختار المخبر وفق معايير خاصة تجعل منه قادرًا على ‏تمحيص المعلومات واختبار صدقها ومن ثم توثيقها من مصادرها، أم ‏أن الأمر متروك للمخبر أيًا كانت صفته ومؤهلاته، لينقل إلينا أخبارًا ‏لم يدققها ولم يعرضها على المقاييس العالمية لنقل الأخبار ولا أدري ‏إن كانت مؤسساتنا الصحفية تعنى باختيار دقيق لمخبريها وتأهيلهم ‏بالتدريب على ما سيقومون به من عمل، أم أن الأمر لا يزيد على ‏كونه يجري كما تجري أمورنا كلها بلا دراسة ولا بحث، وحينما ‏تطالع خبرًا أو تسمعه عبر إذاعة أو تليفزيون أو صحيفة، وأنت تظن ‏أنه صحيح، ثم يتضح لك بعد ذلك عدم صحته وأنه لم يقع أصلاً، إما ‏لتعجُل مَنْ نقله ولم يتأكد منه، أو حرص على سرعة نشره توقًا إلى ‏سبق صحفي وهو لم يتأكد منه بعد، أو يكون خبرًا مناقضًا للواقع ‏يدرك كل الناس ذلك، إما لأنه ينسب عملاً جليلاً لمن لم يقم به، أو ‏يتحدث عن توفير شيء من الخدمات لم يتوفر للناس قط، وهم يعلمون ‏ذلك يقينًا، أو خبرًا بإنفاق أموالاً طائلة على شيء من الخدمات أو ‏المشروعات وهو لم يحدث، فهل يثق الناس بعد هذا ممن نشر هذه ‏الأخبار أو أشاعها، والناس يعلمون يقينًا أنها غير صحيحة.‏
من أجل هذا فإننا نطرح على إخوتنا العاملين في وسائل إعلامنا ‏وأهمها الصحافة أن يراجعوا بعناية مبادئ وآليات العمل الإعلامي ‏كله وأن يضعوا له المعايير المتفق عليها، التي ترتقي بأدائه حتى ‏يكون فعلاً أداة صنع رأي عام مستنير، وأداة مراقبة دقيقة تشهد ‏بالحق في سائر قضايا الوطن، وتشير بجرأة إلى الأخطاء وتقترح ‏الوسائل لإزالتها، وترى الفساد بعين فاحصة وترشد إلى مواطنه، ‏وتساعد المسؤولين على القضاء عليه، تلك وظيفة الإعلام في سائر ‏أرجاء العالم، ويجب أن تكون كذلك في أوطاننا، فهل يفعلون ذلك ما ‏نرجو والله ولي التوفيق.‏

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: