حرية التعبير حق لا اختلاف عليه

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1948م عبر مواده الثلاثين, وما تلاه من مواثيق دولية, أكدت كلها على حقوق للإنسان أصبحت ثابتة, واعترفت بها جميع دول العالم, ومنها ولا شك بلادنا, وهي من أوائل الدول التي وقعت هذا الميثاق, وشاركت في إقراره, وإن تفاوت الدول في حسن التطبيق, ومن هذه الحقوق حق الإنسان في حرية الرأي والتعبير, فقد نصت المادة التاسعة عشرة من الميثاق على أن: [لكل شخص التمتع بحرية الرأي والتعبير, ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة, وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين, بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود], وقد رسخ هذا المبدأ في …. إنسان هذا العالم على مرّ السنين, وأصبح حقاً مكتسباً لكل فرد في هذا العالم, تقره القوانين المحلية, والقانون الدولي, ونص النظام الأساسي للحكم في بلادنا في مادته الحادية والثمانون على أنه [لا يخل تطبيق هذا النظام بما ارتبطت به المملكة من الدول والهيئات والمنظمات العالمية من معاهدات واتفاقيات] فاعتبار حرية الرأي والتعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان لا جدال عليه في أي مكان من هذا العالم, ولا يمكن أن يتعرض إلى الإلغاء من أي جهة كانت, بل ولا يجب أن يكون على هذه الحرية قيد, بحيث ينتقص منها أو يؤدي إلى عدم اعتبارها, فقيمة الإنسان ولا شك تكمن في هذه الحرية وكل قمع لها هو حط من كرامته, وقد كرمه الله بأصل خلقته, وهذه الحرية حتماً ليست في حاجة إلى أن تقيد بأي قيد, لأنها في الحقيقة تقيد ذاتها بذاتها, فالدساتير والقوانين تضبطها, وهي لا تعتبر إن أدت إلى إلغاء حرية الآخرين, فحكاية أن هناك حرية رأي وتعبير مطلقة مجرد خرافة, فالعالم كله لا يعرف هذه الحرية المطلقة التي يتحدثون عن أنها فوضى, إلا إن وجد مجتمع لا تحكمه مواثيق, فلا دستور ولا قانون, وحينئذ نظام الغاب الذي يتغلب فيه القوي على الضعيف, وكل هذا الجدل الذي يثار في بلادنا بين الحين والآخر حول قضية حرية الرأي والتعبير إنما هو لون اشتغال بما لا يفيد, ولا مردود له أصلاً, ولا فائدة من إثارته أبداً, والقول بأن الحديث عن حرية الرأي والتعبير مقصود بها حرية التعبير في الجهر بقوله الكفر, أو الكفر بعد الإسلام, أو نفي القداسة عن المقدسات: الله والقرآن والرسول والإسلام, فيه ظلم بيّن لكثير من العقلاء من علماء ومفكرين ومثقفين شباباً وشيوخاً, الذي دفاعهم عن هذه الحرية يدفعهم إليه حب هذا الوطن والرغبة في رقي كل جوانب الحياة فيه, ثم إن البحث عن نياتهم وما يقصدونه ظلم آخر لهم, فلا أحد يصرح بأنه يريد حرية كفر في هذا الوطن, ولو وجد من أضمره في قلبه لما استطاع أن يعلن به, وعلى كل حال لا وسيلة لكشف ما في ضمائر الخلق, ولا يحاسبون عليه أصلاً, فربنا عز وجل الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لا يحاسب الناس على ما يحدثون به أنفسهم أليس سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: [إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت نفسها به مالم تعمل به أو تتكلم], ولا يعني حديثهم عن حرية التعبير أنهم يحكمون على أنها مفقودة في بلادهم بالكلية, ولكنهم يرون أنها اعتراها بعض ما يتمنون زواله عنها, ويعتقدون أن خطوات التطوير والتحديث المقبلة في بلادهم ستزيل الكثير منه, حتى تصبح هذه الحرية مثمرة تؤدي إلى تنوع الأفكار الذي يخدم الحياة, ويطور الأوطان, وإثراء مسيرة إصلاح الأوضاع المختلة وتطوير مناحي الحياة كافة بالأفكار المبدعة, وهذا ولا شك خير من الوقوف عند جدل حولها قد يسيء إلى بلادنا, حيث يتحدث الناس عنّا أن في بلادنا يثار الجدل حول القضايا التي حسمت في العالم منذ زمن طويل, ولا نزال نختلف عليها حتى اليوم, رغم أنا نعلم يقيناً أن خلافنا عليه غير منتج, ولا يغير من الواقع شيئاً, فهذه قضايا المرأة راوح الخلاف حولها مكانه منذ منتصف القرن الماضي, ولم يتغير شيء أبداً, بل شقت المرأة طريقها نحو المستقبل, وحققت نجاحاتها في كثير مما كان يطلب ألا تصل إليه بسبب هذا الخلاف, وكذا قضية تطوير القضاء وغيره من القضايا, فهل ندرك هذا هو ما أرجوه والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: