الوسطية في الدين لا تغيب

إن ديننا يعتمد الوسطية فيما يدعو إليه الناس، ويرفض ولاشك أن يغلو المسلم فيه أو يتشدَّد، كما يحارب التفسُّخ والبُعد عن روح الإسلام، لا غلو فيه أبدًا ولا تساهل حتى تغيب ملامحه، لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا غلو فيه ولا جفاء، فشريعته تعنى بالتوسط والاعتدال في كل أوامره ونواهيه، وهذا لا يكون إلا بالاستقامة على طاعة الله تعالى والخضوع لأوامره، فيكون بطاعة الله باطنًا وظاهرًا والبعد عن كل معاصيه، فلا تقصير فيه ولا غلو، وأعظم مظاهره التيسير على الناس، والرفق في التعامل معهم، حيث إن التيسير مقصد مهم من مقاصد الدين، وصفة أساسية لشريعته في عقائدها وأحكامها، ومعاملاتها وأخلاقها وأصولها وفروعها، فالله عز وجل لم يُكلِّف عباده إلا بما هو بوسعهم فعله، فهو لم يُرد بأحكامه لهم الحرج والعنت، يقول الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، فهو دين اليسر لا العسر، لذا جاء في أحكامه كلها بموازنةٍ تامة في تشريعاته بين متطلبات الجسد والروح معًا، فلا يجوز لأحد أن يُحرِّم على نفسه ما أحلّه الله له شيئًا، بل أن يتقرَّب إلى الله بالفعل المأمور به والمباح معًا، وأهم ما يسعى إليه الإسلام محبة الخير للناس كافة، فهذه صفة من أهم الصفات التي يجب أن يتحلَّى بها المسلم، وأن يُحب الخير والمنفعة لكل الناس، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما استطاع، وعقائد الإسلام وسط بين عقائد الأمم، فليس فيه اتباع للخرافات والإسراف في العقائد وتصديق ذلك دون دليل ولا برهان، فالوسط من كل شيء أعدله، فخير الأشياء أوسطها، وأهم مظاهر الوسطية في الدين أنه كامل، اختاره الله لعباده ورضيه لهم، وجاءت تشريعاته ونظمه وسط، بعيدة عن جانبي الإفراط والتفريط، فالله يقول: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)، ويقول: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، تلك هي الوسطية التي تجعل المؤمن يؤدي تكاليفه كلها دون رهق ويهديه الله إلى ما يرضى عنه.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: