الحديث عن الحجاز وغاياته

إن الحديث عن عبادة للقبور في الحجاز ومنه المدينتين الطاهرتين مكة والمدينة هو حديث موهوم ولا شك، فمنذ أن بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم داعيا إلى عبادة الله عز وجل وحده، وأرض الحرمين لا يعبد فيها سوى الله، حتى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيله إلى الجحفة، إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم). ولن يزعم أحد أن الخطاب في هذا الحديث موجه للصحابة رضوان الله عليهم وهو خاص بهم، فالمعلوم أن الخطاب إذا وجه إليهم فهو خطاب للأمة كلها وإلا ادعينا أن أكثر أحكام الشرع تخصهم وحدهم، وهو خطأ فادح وخطيئة لا تغتفر.
فما عبد الناس في هذا الجزء من جزيرة العرب غير الله منذ ظهور الإسلام، وحتى يومنا هذا بل ان الدين يأزر الى الحجاز كما تأزر الحية الى جحرها كما جاء في الحديث الصحيح والذي ختم بقوله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي).
وحينما نرى هذه الأيام بحوثا هَمُّ أصحابها تشويه تاريخ هذا الإقليم أو حاضره بادعاءات لا دليل واضح عليها، خاصة إذا جاءت على لسان مستشرق أوروبي جاء إلى الحجاز متخفيًا ثم كتب كتابة متأثرًا بثقافته الخاصة، وأبدى الرأي في أحوال أهل الحجاز الذي يقدح به فيهم لمخالفته لموروث ثقافته الغربية. ويقوم بهذه الأبحاث شباب يريدون الظهور والشهرة على حساب هذا الإقليم وأهله دون وجه حق.
وإذا ابتعدنا عن دعاوى عبادة القبور، وذاك الوصف المكفر لمن يلصق به (القبورية) فإن أهم قضيتين يطرحها هؤلاء حديث عن صوفية الحجاز أكثره، لا علاقة له بالواقع المعاش فالصوفية ليست فرقة ولا مذهبا، وإنما أخلاق وسلوك ولها درجات في عالمنا الإسلامي، الذي تنتشر فيه كله، ولا تخص منه دولة أو إقليم.
والمتتبع لسير علماء المسلمين ستجد أن جلهم من كان له طريقة صوفية وهي إن كانت بأورادها وأذكارها صحيحة شرعية، لا يخترع فيها السالك الطريق إلى الله ألوانا تعارض حكم الشرع أو عقائده، فكلها خير ولا معنى للاعتراض عليها.
ومن كان له طريقة تخالف الشريعة فإنما يوجه النقد إليه لا لمجموع من سموا صوفية، أما أسوأ قول هو أن يقول من لا علم له: “أن للصوفية دين يخالف دين الإسلام”، مكفرا به كثيرا من علماء الأمة وعامتها ظلما وعدوانا، وأما أولئك الذين يلتقطون من هذا المستشرق الغربي كلمة هنا أو هناك تشوه أمتهم ووطنهم ظنا أن هذا تنويرا فنقول لهم: (أنتم واهمون مخدوعون، وتريدون أن تخدعوا بعض أهلنا لن تنجحوا أبدا).
فالناس يدركون أن الصوفية في الحجاز لم تختلف عن صوفية المسلمين في كل أقطارهم، بل لعلها أنقى نوعا وأفضل سلوكا وأقرب إلى التمسك بشرع الله، ويدركون أن جل هؤلاء الصوفية في وطننا من كانوا في القديم ومن هم في الحاضر لا يخرجون عن شرع الله أبدا.
والقضية الثانية حديث عن الرق في الحجاز، والحقيقة أن الحجاز قديما كان أفقر أقاليم الدولة الإمبراطورية يوم أن كان للمسلمين تلك الدولة، وهذا يقتضي آنذاك أنها أقل أقطارنا امتلاكا.
والرق في الماضي كان يسود العالم أجمع حتى قبل ظهور الإسلام، فلما جاء الإسلام لم يبق من أسبابه سوى الأسر في الحروب، إذا كان من يحاربنا يسترق أسرانا فنعامله بالمثل، ولكنه عدد الوسائل لإنهائه حتى جعل العتق في الكفارات، ولكن كثيرا ممن يتكلمون عن هذا لا يشعرون أن الإسلام بين الأديان هو من حارب استمرار الرق.
والغرابة أن تجد بين أبناء هذا الإقليم من يبحثون عن أي شيء لانتقاص أهله، ولا تدري ما الأسباب التي تدفعه إلى ذلك، غير أن تقول إن الجهل بحقائق الواقع هو ما يدفع البعض إلى الإساءة وهو يظن أن يحسن صنعا.
وتبقى جزيرتنا العربية وأخصها أرض الحرمين الشريفين أكثر بقاع العالم نقاء وصفاء وبعدًا عن الأوهام والخرافات، وأقربها لصفاء الدين ونقائه، أبقاها الله لنا وطنا وقرارا.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: