هزائم الناشط الوطني أخي الأستاذ محمد سعيد طيب, التي نعتها بالكبيرة, هي في واقع الأمر هزائم حقيقة ومؤلمة, فالانكسارات التي لحقت بأمتنا العربية, وبأوطاننا الصغيرة داخل إطار وطننا العربي الكبير, الذي ظللنا نحلم بوحدته ولا نزال, هذه الانكسارات ليست بالقلية, ولا هي بالسهل علينا مواجهتها, والأحلام معها توارت حتى كاد أن يحل محلها إحباط يدوم ويقود إلى يأس لا خلاص منه, ولولا أن المهتمين بالشأن العام, المناضلين من أجل الإصلاح, مثل أخي أبي الشيماء ظلوا يقنعون أنفسهم أن الأصل لا يزال حيا,
بل يجب أن يظل حيا, لأن الحياة بدونه ستنهار ولا تعود محتملة, ولا زلت أتذكر تلك النسبة للأمل التي كان يرددها أبو الشيماء, بين الحين والآخر, والتي تهبط حتى تصبح قدرا ضئيلا لا يرى بالعين المجردة, ثم لا تلبث أن ترتفع إلى قدر لا يؤهل لحدوث تغيير حقيقي نحو الأفضل المرتقب, الذي يرسم له الناشطون الوطنيون صورة في مخيلتهم يحلمون أن تتحقق, وتتسع دائرة الهزائم وما يلحق بها من نكسات حتى يكاد الأحرار أن يختنقوا, ولكنهم مع هذا كله لا يعدمون أملا, ويرون شعاعه من بعيد فينتشون بأحلامهم, التي لم تفارقهم حتى وهم يدفعون ضريبة وطينتهم فقدا لحريتهم الشخصية وراء الأسوار مرة, وبمنعهم من السفر أخرى, ويتلفتون حولهم يبحون عن أسباب ما ينالهم من عنت فلا يجدون لذلك سببا سوى وطنيتهم, فهم لا يعملون في السر, ولا يعرفون طريقا للعنف, لأن السلم صناعتهم, وهم الداعون إليه, لا يتعمدون الغاء أحد, بل يمدون أيدهم إلى الجميع, من وافقهم الرأي ومن خالفهم, وهم إنما يبحثون لما آمنوا به من مبادئ نبيلة, وعلى رأسها حرية التعبير, عن مساحة حرية كافية ليبثوا آمالهم وأحلامهم, ومع ذلك تزداد آلامهم, هم الذين يشغل الوطني كل المساحات في قلوبهم والعقول يرون في قيادته ملاذهم الذي يفزعون إليه, كلما أحسوا الخطر يحدق بوطنهم, ليبلغوا ذلك, وكلهم ثقة أنها تصغي إليهم, فهم لا يطلبون شيئا لأنفسهم يستأثرون به دون مواطنيهم, فهمهم ينحصر في أن يسعد أهل هذا الوطن, بما يتحقق من خطوات إصلاح يتمنون أن تكون متميزة, فهذا الوطن الغالي يستحق أن يكون رائدا حتى في المجال الإصلاح, لا في محيط العرب وحدهم, بل في المحيط العالمي بأسره.
إن هؤلاء النبلاء الذين يسلكون الطريق الواضح, الذي لا لبس فيه, من أجل ما يدعون إليه من المبادئ, وما يناضلون من أجله من خطوات إصلاح حقيقية يحتاجون لمن يسمعهم ويحاورهم, لا من يكمم أفواههم, أو يقيد خطواتهم, لأنهم حتما لا يمثلون خطرا في وطنهم, بل هم صمام الأمان في, فكل ما ينادون به يصب في مصلحة الوطن قيادة وأمة, وهم حريصون على المشروعية التي يؤمن بها أبناء هذا الوطن في أن تنظم الحياة في بلادهم ضمن مؤسسات لا تستغني الحياة المعاصرة عنها, تتمايز فيها السلطات وتستقل, بين تشريعية وقضائية وتنفيذية, وما تمارسه جمعيات المجتمع المدني من دور فاع, وما تقوم به الصحافة من عمل رائد للمراقبة والمتابعة, وينال فيه المواطن حقوقه الإنسانية المشروعة ليحيا في وطنه كريما عزيزا.
ولعلهم اليوم لا يرددون أن العمر ضاع بين الهزائم والأحلام, بل يجدون الأوضاع ملائمة ليمحو بالأمل آثار هذه الهزائم, لأننا معا قد اقتنعنا أن الإصلاح هو الطريق الموصل لتحقيق كل الآمال والأحلام وتنحية كل الهزائم. فهل نحن متفقون, هو ما أرجوا والله ولي التوفيق.