ترتبط حرية الصحافة بمبدأ أصيل من حق الانسان في الحريات الأساسية, والاقرب اليها حرية التعبير, التي كفلتها المواثيق الدولية, واقرتها الشرائع الالهية, وهى اليوم من أهم القيم الانسانية التي تعنى بها الامم في شتى ارجاء العالم, وتعتبر الاعتداء عليها من جرائم الاعتداء على الانسانية, تؤكد المادة التاسعة عشر من الاعلان العالمي لحقوق الانسان أن [لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير, ويشمل هذا حرية اعتناق الآراء دون تدخل, واستقاء الانباء والافكار وتلقيها واذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية, وحتما لا يستطيع الفرد في أي مجتمع المشاركة في الحياة النشطة في مجتمعه المحلى مالم تتوفر له هذه الحرية, ومن اجل جعل حرية التعبير واقعاً لا بد من توافر بيئة تنظيمية وقانونية تسمح بظهور قطاع أعلامي متعدد الآراء ومنفتح, ولابد كذلك من توافر الارادة السياسية لدعم هذا القطاع, مع وجود قانون يضمن الحصول على المعلومات دون قيود, خاصة في مجال الشأن العام, كما يجب ان تتوفر المهارات التعليمية اللازمة لدى متابعي الاخبار ليتمكنوا من تحليل المعلومات تحليلاً نقدياً, مع أن تشتمل المؤسسة الاعلامية على متخصصين في سائر مجالات الحياة, لتستطيع تتبع احداث المجتمع وتحليلها بصورة علمية, وإذا كان دور الصحافة في أي مجتمع انساني يتعدد, وله أوجه كثيرة لعل من اهمها: نقل الاخبار بحيادية تامة, ومن مصادر موثوقة, ليتابع الناس احداث مجتمعهم وبلادهم ومجتمعات وبلدان العالم من حولهم, ويحصلون على معلومات صحيحة عن كل ما يجري حولهم, والاهتمام بالأخبار في الصحافة هو من أول اهتمامات الصحف في العالم عند نشأتها, ومن اهمها ايضاً تثقيف الافراد بما يحتاجون من ثقافات في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك, ومن هنا نشأت الصحافة المتخصصة, فظهرت الصحافة الادبية والعلمية وسواها, وأهم دور تمارسه الصحافة على الاطلاق هي المراقبة, والنقد المباشر لمؤسسات العمل في المجتمع في شتى انتماءاتها السياسية والتنفيذية والتشريعية والقضائية بل ومؤسسات المجتمع المدني, وهو الدور الذى من أجله اطلق على الصحافة السلطة الرابعة, وللصحافة دور هام في صوغ الرأي العام, خاصة في قضايا المجتمع الكبرى, وهي اذا مارست هذا الدور بمزيد وعى ومعرفة وخبرة, كان لها الاثر العظيم في احداث التغيير المطلوب نحو الافضل, الذى هو غاية كل مجتمع حي يتحرك نحو المستقبل بخطى قوية وثابتة, فالصحافة في حقيقتها احدى وسائل النهوض بالمجتمع نحو التقدم, عرفها قبلنا العالم المتقدم في الغرب, وكانت دوماً من وسائله لدفع شعوبه نحو المزيد من العمل لتحقيق التقدم, الذى يجعل المستقبل أفضل, وحتما لم تستطع الصحافة الغربية ان تصل الى المستوى الذي نراه اليوم في فترة زمنية قصيرة, ولكنها حتماً عندما توفرت لها القوانين التي تؤكد على حريتها في استقاء الاخبار والافكار وتلقيها واذاعتها دون قيود بحدود نظام مقيد او بحدود جغرافية يحرم عليها تجاوزها, وضمن لها طرح كل هذه الافكار والآراء على تنوعها وتعدد الوانها, واتيحت لها حرية النقد ما دامت تعتمد على معلومات صحيحة, بعد أن اكدت القوانين على حقها في الحصول على هذه المعلومات دون قيود, وممارسة دورها الرئيس في الرقابة وكشف الاخطاء واوجه الفساد والقصور, المضر ذلك كله بالمجتمع, وممارسة الدور الاهم في التأثير المباشر في الرأي العام لتبنى مواقف واعية من قضايا المجتمع والوطن, ولا يمكن للصحافة ان تمارس هذا كله إلا إذا وجدت البيئة القادرة على توفير الحريات للأفراد بالشكل الذي يجعل للأعلام بصفة عامة والصحافة بصفة خاصة هذه الادوار المهمة, ولعل صحافتنا المحلية قد تطورت تطوراً مهماً في الشكل لا الجوهر, ولكنها لا تزال في طور لم تبلغ معه حتى اليوم المرحلة التي نرتضيها لها, ونحتاج إلى مزيد من هذا التطوير, مع الإشارة الى اننا لا نزال ننتظر تعديلاً مهما للنظم الحاكمة للمجال الإعلامي سواء نظام المؤسسات الصحفية, الذى لم يعد يلاءم الوضع الحالي, أو نظام المطبوعات والنشر, ونظام جمعية الصحافة واستحداث اتحاد للكتاب, لننهض بأعلام بلادنا, ونلحق بركب الامم الحية المتطلعة الى المستقبل الذى تستحقه, ولعل هذا يحدث قريباً, فهو ما نرجو والله ولى التوفق.
Check Also
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …