كنا في بداية سني العمر نطمح في الكثبر أن يتحقق في بلادنا في جميع مجالات الحياة، في التعليم والصحة والبنية الاساسية، وآمال وطموحات لا عد لها ولا حصر، حتى في لون الحياة التي يجب ان نحياها على ارض الوطن، ومضت الاعوام بامثالي تجري الى خريف العمر وبسرعة شديدة ما كان يحسب لها حساب، فاذا به في خريف العمر، قد يكون قد حقق الكثير في حياته الخاصة، لكنه وصل الى الشيخوخة محبطاً فكل ما كان يحلم به لحياة الوطن واهله ما تحقق منه الا القليل، وبالامس كنت اعاني وعكة صحية هي من منح ربي التي يحبوني بها في اخر العمر، من توالى الآلام الجسدية فذهبت الى احد مستشفياتنا، لان امراض الشيخوخة تقسو علي احياناً وما لقيته في المستشفى اعاد اليّ صورة معالجتي في احد المستشفيات الغربية وكيف رأيتهم يعاملون كبار السن، وما يوفرونه لهم في مستشفياتهم متخصصون في امراض الشيخوخة، ومعهم ممرضون وممرضات تلقوا تعليماً خاصاً ليكونوا عوناً لهؤلاء الاطباء المتعاملين مع بشر في خريف العمر ترفع معنوياتهم معاملة انسانية رقيقة، وتجعلهم يجتازون آلامهم، ويقضون ما بقي من عمر لهم في كثير من الطمأنينة والسعادة، ولما رأيت تعامل ابنائي وبناتي في المستشفى لا مع كبار السن فقط، بل ومع سائر المرضى علمت ان البون الشاسع بين الاوروبيين الذي ينعتهم دعاتنا بأقذر النعوت وبين من يدعون منا انهم المسلمون الذين يفوقون هؤلاء الكفار انسانية، لكن الواقع لا يسجل لهم اي لون من التفوق عليهم في هذا المجال وللاسف، بل تتدنى المعاملة عندنا الى مرحلة تكاد ان تقول ان كثيرين من العاملين في مستشفياتنا لا يعتنون ابدا بالجانب الانساني في المعاملة، وقد عدت من المستشفى اكثر ألماً وأشد احباطاً فما كنت اتمناه ان يتحقق في وطني لم يتحقق بل ازداد سوءاً ولولا ان الله عز وجل منّ علي بابنة طبيبة تخصصت في طب الطوارئ وهي بأبيها أشد عناية منها بنفسها لقلت اني مثل الكثيرين ممن بلغوا سن الشيخوخة ولا يجدون في مستشفياتنا من يعتني بهم، لذا اقول لشبابنا اعتنوا بصحتكم علكم عندما تبلغون خريف العمر تقل حاجتكم الى العناية الطبية، التي لن تجدونها في مستشفياتكم يوم ذاك، كما لم نجدها قبلكم. ولعل تجارب الحياة تفيد ابناء هذا الوطن الذين يفخرون به فيكونوا له جنودا يبذلون اقصى الطاقة من اجل النهوض بالحياة في وطنهم في سائر مجالات الحياة فيه ويؤدون اعمالهم باخلاص فيها لله أولا ثم للوطن ثانياً ليحققوا فيه احلامهم، ولا يفرطون فيها كما فرطناـ، ولينظروا حولهم بامعان شديد ليروا ما تحقق لاقطار حولنا ولم يتحقق عندنا، ويبحثوا الاسباب التي ادت الى ذلك، وليناقشوها بشفافية تامة، حتى لا تذهب احلامهم هدراً، ويجدون انفسهم وقد قضوا العمر يجاهدون لرفعة هذا الوطن فلما وصلوا الى السن الذي يجب ان يرد اليهم الجميل وجدوا انفسهم في مغارة لا شيء فيها يدل على الحياة، فمقياس تقدم الامم اليوم يقاس بمقدار الخدمات الانسانية التي تقدم الى الفئات الاكثر ضعفا في المجتمع، ومنهم المرضى وكبار السن الذين يعانون اصنافاً من الآلام تسببه لهم امراض الشيخوخة، للمرأة الأرملة أو المطلقة التي لها اولاد يختطفون من حصتها بأشد القسوة، وينسب الفاعل ذلك الى الدين، كما تنسب الطبيبة المنتقبة تعثرها في الكشف على المريض لمجرد انها لم تستطع ان تضع السماعة في اذنيها حتى لا تكشف شيئا من وجهها لمريض في خريف العمر وهي في مرتبة حفيدة له، عجائب في هذا الوطن تنسب للدين والدين منها براء،أسأل الله لكم عمراً مديداً في صحة وهناء.
اللهم أعن كبار السن في بلادنا فلا أحد يرعاهم.