للمسلم أدب مع غيره من المسلمين يجب ألا يخرج عنه أبدًا، فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال “ست إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فأنصح له، وإذا عطس فحمدالله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فأتبعه”، فالمسلم مع إخوانه هين لين، لا يلقاهم إلا ومحياه طلق، على ثغره الابتسامة يسلم عليهم ويحييهم ليأنسوا به ويقبلوا عليه، فإفشاء السلام علامة على سلم اجتماعي لا تكدره عداوات، يسلم على من عرف ومن لم يعرف، وإذا دعاه أخوه المسلم إلى وليمة عامة أو خاصة أجابه، حتى ولو كان صائمًا حضر وليمته وإن أراد إمضاء صيامه فلا يأكل، ويندب له إن ظن أن أخاه يتأثر إن لم يأكل أكل إن كان صيامه تطوعًا وعوضه يومًا آخر مكانه، فديننا حريص على أن تبقى بيننا صلات الود، وإذا استنصحه أخوه نصح له، وخير النصائح ما يطلبه المنصوح والإخلاص في النصح له واجب، أما نصحه ابتداءً فلا يكون علنًا إلا أشبه الفضيحة، بل يسر إليه بنصيحته إن راه يقبلها، وقد يعرض عن ذلك إن كان يرى أن نصيحته تغضب أخاه، وإذا عطس فحمدلله شمته بأن قال له: يرحمك الله، فإن لم يحمدالله ذكره ذلك، وعند المرض يعوده ويدعو له بالشفاء، وعند الموت يتبع جنازته ويعزي أهله، وهذه الحقوق إنما هي دعوة إلى أن تقام الصلات بين المسلين على المودة والمحبة، وليست هذه هي حقوق المسلم على المسلم حصرًا وإنما هي بعضها، فكلنا يعلم أن له حقوقًا أخرى يعرفها كل مسلم.
وما دام للمسلم على المسلم حقوق، فمنها أن يحسن سلوكه معه أليس ربنا عز وجل يقول “يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون، يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم، يا أيها الذين آمنوا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقاكم إن الله عليم خبير”.
وهذه الآيات الثلاث في أدب المسلم تجاه مجتمعه المسلم، ولو إلتزم المسلمون في ما ورد فيها لصلح حالهم ولبقيت المودة بينهم قائمة وإن اختلفوا، فالسخرية سلوك ذميم لا يقع من المسلم إلا إذا عنّ له أنه خير من الآخرين، يبحث عن معايب لهم ليسخر منها، ويعظم الإثم إن سخر من صفات فيهم خَلقية لا يد لهم في حدوثها، ولا يعمد إلى لمز أخيه المسلم بذكر عيبه بطرف خفي، ليضع منه أمام الناس وألا يخاطبه إلا بأحب الأسماء والكنى إليه، وربنا عز وجل جعل لمز أحدنا للآخر لمزًا لنا كلنا وكذا بتلقيبه بما يعيبه هو تلقيب لنا كلنا، ليمنعنا من أن يكون سلوكنا هذا تجاه بعضنا بعضا، وجعل هذا كله من الفسوق لأنه إتيان معاصٍ كبيرة لا تجتمع مع الإيمان، يحذرنا منها ويدعونا لتركها، ولن نفلح إلا إذا تركناها، ومن لزم هذا السلوك فهو ظالم لنفسه قبل أن يظلم الآخرين.
وظن السوء الذي لا يبنى على بينات، مجرد ظن هو لاشك إثم، فمن يظن بأخيه سوءًا لم يظهر منه ولا دليل عليه سوى هوى نفسه المضل، فهو ظالم له ولاشك، ظالم لنفسه، وللأسف أن هذه الصور من السخرية بالخلق وظن السوء بالخلق، والتجسس عليهم لمعرفة بعض أسرارهم للتشنيع عليهم بها أخلاق رديئة تنتشر بين الناس في مجتمعنا، حتى بين بعض من ينسبون أنفسهم للعلم أو الدعوة أو الوعظ، مما يدل على غياب قيم الإسلام وأخلاقه عن المجتمع الذي لابد من إصلاح أحواله.
والغيبة التي هي من الكبائر تنتشر بين الناس اليوم، يأكل بعضهم لحم بعض دون رادع من دين أو خلق قويم، والغيبة كما نعرف أن تذكر عيب الذي هو فيه لتشنع به عليه، وقد نهى الله عن ذلك وصوره أبشع صورة أن يموت أخوك المسلم فتأكل من لحمه والناس ينظرون، وما أبشعها من صورة تنهى الإنسان عن الغيبة إذا كان مؤمنًا.
وختام الآيات الثلاث، أن الله إنما خلق الخلق متنوعي الجنس واللون واللغة وجعلهم شعوبًا وقبائل لا يعادي بعضهم بعضا، وإنما ليتعارفوا، ويستفيد بعضهم من بعض، فليس هذا الاختلاف بين البشر سببًا أن يتعالى بعضهم على بعض.
فهل لو كنا مجتمعا متدينًا حقًا محافظًا كما ندعي تدبرنا نصوص ديننا واتبعنا الرسول – صلى الله عليه وسلم- حقيقة لا ادعاء أكانت هذه الأخلاق الرديئة تنتشر في مجتمعنا.. اللهم لا لو كنا نعقل ونتقي الله.