لعل الأسباب الحقيقية وراء فشلنا في مواجهة أضرار الأمطار والسيول، أن من نعتمد عليهم في مواجهتها في أجهزتنا الخدمية لم يتدربوا على ذلك التدريب الذي يوجد لديهم الحرفية في الأداء
كان المطر إذا هطل على مدننا وقرانا مثل قدومه فرحة غامرة للجميع في البوادي والقرى والمدن، فالمطر يعني تزايد المياه في الآبار، ونحن غالباً نعتمد عليها كلية، ويعني ازدهار الزراعة ولو إلى حين، بمعنى آخر المطر حياة، لذا كانت فرحتنا به دائما غامرة، ولكنا آنذاك عددنا قليل، لم تكن الأرض تمثل ثروات مدخرة، من لم يكن له مسكن تبيعه البلدية أرضاً بثمن رمزي ليقيم عليها مسكناً يستخدم في بنائه ما تنتجه هذه الأرض، الطوب اللبني منها، وللأساس أحجار من جبالها، ولسقوف المنزل أخشاب من أشجاره، وقل منها المستورد من الخارج، وكان كبار السن منا يعرفون مجاري السيول، يرشدوننا إليها فلا نبني لنا فيها منازل تزول مع أول موسم مطر قادم، ورغم أن بيوتنا كانت تبنى من الحجر والنورة ومن الطين وقد يسقط بعضها حين توالي الأمطار، ولكنا لم نعهد هذه الخسائر الكبيرة التي تحدث هذه الأيام، وتبدلت الأحوال بأحوال أخرى جعلت أثمان الأرض ترتفع ارتفاعاً باهظاً حتى وصلنا إلى مرحلة عجز فيها كثير من المواطنين عن الحصول على أراض ليقيموا عليها مساكن لهم، حتى أن غالب السكان لا يملكون المنازل التي يعيشون فيها كما تخبرنا الإحصاءات المعلنة، رغم أننا لا نثق فيها لتناقضها بين الحين والآخر، وبدأت تنتعش المخططات وتباع في المدن وبعضها يعترض مجاري السيول مما عرض أهلها للأخطار، إلا أن ما زاد الأمر خطورة أن البنية الأساسية لم تتم في جل مدننا، فلا تصريف لمياه الأمطار والسيول، كذلك لا شبكات للمجاري التي لم تتم في أغلب مدننا، ولا تزال تعاني من أجل ذلك حتى اليوم، ونحن الآن نمر بوفرة مالية لابد وأن نستغلها من أجل إصلاح هذه المدن، وجعلها آمنة أثناء هطول الأمطار ووصول السيول إليها، فإذا كانت جدة قد بذل جهد لا بأس به في إصلاح بنيتها الأساسية من طرق واستكمال لشبكة المجاري، وتتبع لمجاري السيول وتصريف مياه السيول، ونرجو أن نستكمل كل ذلك قبل أن نفاجأ بموسم أمطار جديد، وما جرى في مدينة تبوك قبل أيام ينبئ عما ستتعرض له كثير من مدننا في مستقبل الأيام، خاصة وأن هناك تغييراً ملاحظاً في الجو، قد تمتد معه أزمنة الأمطار وما ينتج عنها من سيول، ولابد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب ما تحدثه السيول من خسائر، ولنا في خطط الأمم في هذا العالم من حولنا لمواجهة مثل هذه الحوادث والتي يتوقع أن ينتج عنها خسائر في الأرواح والأملاك، فلابد أن تتخذ هذه الاحتياطات ونحن لم نتعرض بعد لحوادث الأمطار، وأن نوجد في كل مدينة إدارة متخصصة في مواجهة الأحداث الكبيرة.. من الكوارث الطبيعية.. وحوادث الأخطاء البشرية الناتج عنها الكثير من الأخطار، فلعل الأسباب الحقيقية وراء فشلنا في مواجهة أضرار الأمطار والسيول، أن من نعتمد عليهم في مواجهتها في أجهزتنا الخدمية كافة لم يتدربوا على ذلك التدريب الذي يوجد لديهم الحرفية في عملهم، فقد شاهدنا هذا واضحاً جلياً أثناء ما تعرضت له جدة في المرتين السابقتين، ولا تزال تمر في الذهن مشاهد تلك الفترة، والتي كان القصور فيها واضحاً لبعض الأجهزة الخدمية، ولعل هذه الأحداث تنبهنا إلى مزيد من الوعي بما ينقص أجهزتنا الخدمية لنسعى مخلصين لتلافيه، وحتى نسعى عبر دراسات علمية ميدانية لكل ألوان القصور والخلل الذي اعترى هذه الأجهزة فلم تقم بواجبها المنوط بها في مواجهة هذه الأخطار، نريد أن نرى مدننا ككثير من المدن في العالم، تتعرض للأمطار فلا تجد الماء في شوارعها إلا في حالات الفيضانات الكبرى، والتي لا تحدث فيها ما تحدثه أمطارنا وما يصاحبها من سيول، ونحن ندرك أن الأخطاء واردة، وأن كثيراً منها غير متعمد وإن ضر، ولكن استمرارها وتراكمها هو الخطر في الحقيقة، فإذا وقعت الأخطاء فلابد من الإسراع إلى تلافيها بحزم وبأساليب علمية تعتمد على خبرة حقيقية، ونحن على يقين أن حكومة بلادنا ستسعى إلى ذلك عبر خطط ترسمها وتقوم على تنفيذها حتى تصبح مواجهة الأخطار قضية ناجزة في كل حين، فيختفي الإهمال تماماً في جميع الأجهزة الخدمية، وحتى يجد المواطنون أمناً أثناء مثل هذه الأحداث، وستجد جميع الأجهزة تعاوناً معها من جميع المواطنين، الذي ندبوا أنفسهم في كل حدث فيه خطر على البلاد فيتعاونون لإزالة هذا الخطر وتقديم الخدمات لبعضهم بعضاً، وقد رأينا الشباب والشابات في أحداث المطر السابقة، كيف كانوا يستبقون في أداء الخدمة الوطنية مساعدة للأجهزة الخدمية وهو ما نرجو دوماً أن يكون بين المواطنين والأجهزة الرسمية للحفاظ على مدننا التي نحيا فيها، واسألوا الله معي أن يحفظ هذه البلاد من كل خطر، وأن ينجيها من أي كارثة إنه سميع مجيب.