في زمن مضى، كان شباب الأمّة يقبلون على كل حركة تظهر وتدَّعي أنَّها تدعو إلى الإسلام، وفي الثمانينيات الهجرية، كان الشباب يتهافتون على جماعات تدَّعي أنها دينية، وغفل عنها، فبثَّت في بعضهم غلوًّا أفسد عليهم حياتهم، فسعوا إلى إفساد حياة مجتمعاتهم، وهم يظنُّون أنَّهم يرضون الله، وهذه الحركات كلّها منذ ظهور أقدمها في تاريخ المسلمين وهم الخوارج، وحتى ما نراه اليوم من جماعات تبطش، وتدّعي -جهلاً- أنّها بهذا تخدم الإسلام، كلّ هذه الحركات، القديم منها، مرورًا بالخوارج، وأشهر حركة سرّية ظهرت في بلاد الإسلام، والتي رأسها حسن الصباح، الذي ادّعى أنّه أسّس دعوة جديدة، سمّاها الناس الحشاشون، ثم ما جاء بعد ذلك من حركات تعدّدت أسماؤها، وتباينت مواضع ظهورها، لكن الكل يشترك في الدعوة إلى الإسلام بفهم جماعته، وهذا أعظم سبب لفشل هذه الحركات؛ لأنّ الإسلام الذي اعتقده المسلمون لا يختلف باختلاف الفهوم، وعادة هذه الجماعات لا تقبل من جماعة المسلمين فهمهم لدينهم، والذي مرّت عليه العصور المختلفة ولم يتغيّر، بل تكره الناس على أن يقلدوا فهمها للدِّين، وإلاَّ رمتهم بالكفر، والبدعة، والفسق، وحملت في الغالب السلاح عليهم إن لم ينضمّوا لها، وهذا هو السبب الثاني لفشل هذه الحركات، واضمحلالها، فما يُكرَه عليه الناس ما أن يجدوا الفرصة سانحة لتركه إلاّ وفعلوا، ولعلّ من آثام هذه الحركات، خاصة منها ما قاتلت المسلمين، واستحلّت أموالهم، ونشرت الرعب بينهم، أن ظنَّ كثيرٌ من غير المسلمين أن في الإسلام ما يدعو أهله إلى هذه الطريقة، التي تتّفق العقول على رفضها، وأنّها من الفساد في الأرض، لا من الدعوة إلى دين هو أصل الرحمة، والتسامح، والتعايش بين البشر، وكل حركة من هذا اللون كالحركات التي ظهرت في إفريقيا، وفي الهند، وباكستان، ومصر -قديمًا وحديثًا- وفشلت فهي من هذا النوع، ولعلّنا لا ننسى حركات الفاطميين، وما انتسب إليهم من الجماعات مثل القرامطة، كلها من هذا النوع، ولا يزال لها منظمات تظهر بين الحين والآخر، وتنتسب إليهم، ولعل ما يجري في اليمن اليوم ليس بعيدًا عن هذا، فالحركات الإسلامية سنية كانت أم شيعية، إذا حاولت إرغام الناس على معتقداتها، وقاتلتهم على ذلك، فهي حركات فاشلة، ومنها ما يسمى بـ(الحركات السلفية) التي تنوّعت وتعدّدت في هذا العصر، وادّعت أنها تجاهد في سبيل الله لنصرة الدِّين، وإقامة أحكامه، وبعضها أبعد ما تكون عن فهم أحكام الإسلام، وغاياته، ومقاصده، وليس عنا ببعيد ما قاموا به في مصر، وإفريقيا، وما يفعلونه اليوم في ليبيا، لهذا فإن مواجهة هذه الحركات بنشر أحكام الدِّين، وقيمه الصحيحة، التي تُظهر بُعدهم عنه واجب علماء الأمة، الذين يحملون أمانة الدفاع عن الإسلام حقيقة، لا ادّعاءً، وكلّما سقطت منها حركة استطاع الناس أن يستردوا فهمًا للإسلام أكثر قربًا من حقيقته، ومن خلال هذا النشر لحقائق الإسلام تندحر كل جماعة ادّعت نصره، وهي تسيء إليه، وإلى المسلمين، ولابد لنا من مؤسسات علمية كبرى يشترك فيها كل علماء الأمة من جميع أقطارهم، ومن مختلف مشاربهم للقضاء على هذا الغلو الذي استوطن العقول؛ بسبب هذه الحركات، ومن أعانها على الانتشار بالتنظير لها، والتمويل لأنشطتها، ومدّها بالرجال حين الحاجة إلى المواجهات، وقد ظللنا العمر كله ننبّه على هذا، ونرجو أن نجد في هذه الأمة مَن يعيد للإسلام رونقه؛ لنبني به حضارة تتميّز بين حضارات الدنيا، وهو يمتلك وسطية تجعله الأقدر على إنشاء حضارة رحيمة بالعباد، عادلة بينهم، ولا تظلم أحدًا منهم أبدًا، سواء آمنوا بهذا الدِّين أم بقوا على أديانهم، ولنعلم أن فشل هذه الحركات كلها إنّما عاد إلى نبذهم وسطية هذا الدِّين، ورفقه بأهله، وحتى بأعدائه، فلنُربِّ الناس على الدِّين «أصوله، ومعتقداته»، ولنرفض كلَّ تَزيُّدٍ على المسلمين، بما لم ينزل به الله سلطانًا، ولندعُ المسلمين كافة أن يصحّحوا صلتهم بالله، فيعبدوه حق عبادته، ويتقربوا إليه بشتّى القرب، فذاك ما سيمنعهم من الانضمام إلى حركات السوء، فهل نفعل؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.