الأخطاء لا يمكن أن يُقضى عليها إلاّ بعد أن يعترف بها، وتُحدد ثم يبدأ التصحيح بإزالة كل عائق يمكن أن يقف في وجه هذا اللون من الإصلاح..
وقوع الأخطاء من الأفراد، ومن الجماعات والحكومات أمر وارد، وذلك أن البشر كلهم كما عبّر سيد الخلق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وحكم أن خيرهم التوابون، وهذه حقيقة لا أشك أن في الخلق مَن لا يعرفها، والأخطاء منها ما هو متعمّد تلزم العقوبة من قام به حتمًا، ومن الأخطاء ما تقع من الإنسان سهوًا، وهي وإن لم تلزمه عقوبة إلاّ أن ما ترتب عليها من ضياع حق، أو وقع بسببه ضرر آخر، فلابد أن يكون لقاء هذا أن يعود الحق لصاحبه، وأن يُزال الضرر الذي وقع بسبب الخطأ، فالله عز وجل جعل على القتل الخطأ ما يزيل بعض أثره، فأوجب الدية على عاقلة المخطئ، فالخطأ غير المتعمد فيه لون تقصير يقع من المخطئ، يتحمّل بسببه قدرًا من الإثم، يدفعه في المستقبل ألا يقع منه تقصير أبدًا، أمّا الأخطاء الفادحة، والتي يترتب عليها في مجال العمل الوطني ما يشبه الكوارث، أو هي الكوارث ذاتها، فلابد وأن يعترف بها أولاً، فالأس الذي يقوم عليه تراكمها عدم الاعتراف بها، فمادام مَن يقوم بهذه الأخطاء الفادحة يبرر وقوعها، فلا يرى أنها خطأ، وإنما هي حدثت لأسباب لا يد له فيها، فمعنى هذا أنه سيوالي فعلها، ولا يرى أن له مسؤولية عنها، ويظل هذا ديدنه العمر كله، وتتراكم الأخطاء ولا تزول، والاعتراف بالأخطاء قد لا يترتب عليها عقوبات ضرورة، فقد يكون للمخطئ ما يدفع عنه بأنه لم يتعمد الخطأ، أو أنه قد غر بأنه حل لمشكلات عانى منها عمله كثيرًا، ولكن اعترافه بمسؤوليته عن هذه الأخطاء سيقلل من وقوعها منه ومن غيره أبدًا، وفي الإدارات الكبرى قد تتكرر الأخطاء وتتوالى، ولا تجد لها سوى التبرير كلما تكررت تكرر التبرير ذاته، أو بعد أن أضيف إليه ما يقضي على انتقاد له سبق، ومادام لا يعترف بالخطأ فلا يمكن أبدًا أن تتلافى الأخطاء الفادحة، والتي ضررها على الوطن والمواطنين، وقد رأينا الأخطاء تقع ويترتب عليها كوارث مثل السماح بالبناء عبر مخططات معتمدة في بطون الأودية، ممّا نتج عنه حين تدفقت السيول أثناء الأمطار أن فقد الناس أموالهم وأرواحهم، ولم يعترف بهذا الخطأ حتى اليوم، وتنوّعت التبريرات ولا تزال تتنوع، ويتكرر هطول الأمطار وتعقبها السيول، في مدن أخرى، وتكشف عن أن بناء البنى الأساسية التي تنهض بمدننا لم تتم حتى الآن، فكلما تجددت الأمطار في مدينة أخرى، لم نجد مشروعات لتوجيه السيول بعيدًا عنها، ولم نجد داخلها تصريفًا لماء الأمطار، كما أن غالب مدننا لم تتم مشروعات تصريف المجاري فيها حتى هذا اليوم، بل إن مياه هذه المجاري التي تسربت إلى باطن الأرض، أصبحت تهدد أحياء بعض مدننا، وأصبحت يُشار إليها بأنها مياه جوفية، ورأينا هذه المياه الجوفية تهدد العمارات بالانهيار، وتمنع الناس من الوصول إلى منازلهم، ومع هذا كله لا تجد مسؤولاً، أعترف يومًا بأن هناك أخطاء وقعت، وتصحيحها ضروري للقضاء على نتائج هذه الأخطاء، وما لم يتم من المشروعات الأساسية يستكمل بسرعة، ويبنى ما لم يبن من البنى الأساسية، ومن تعمد أخطاء عرضت حياة الناس للخطر التحقيق معه وتقديمه لمحاكمة عادلة، فالأخطاء لا يمكن أن يُقضى عليها إلاّ بعد أن يُعترف بها، وتُحدد، ثم يبدأ التصحيح بإزالة كل عائق يمكن أن يقف في وجه هذا اللون من الإصلاح، الذي لا كلفة له سوى اتخاذ خطوات جادة لمعرفة مَواطن الأخطاء، وإيقاف تواليها، وعدم قبول التبرير لها من أي جهة صدرت، ومعاقبة من تعمد الخطأ، وأصر على تبريره، وفي ذلك إعادة له إلى جادة الصواب، ومنع غيره أن يقع فيما وقع فيه، فالردع لا يتأتي إلاّ بالعقوبة التي يحس بها من تقع عليه، فيكون عبرة لغيره، وما لم نحي ثقافة المحاسبة التي غابت عنّا مدة طويلة، وألاّ يستثنى من هذه المحاسبة أحد أيًّا كانت درجته الوظيفية، وهذا يرسم لجميع موظفي الدولة الطريق السوي من أجل أن يقوموا بأعمالهم بالجدية التامة، فإن لم يكن لهم إخلاص منعتهم المحاسبة من التهاون المؤدّي دومًا للوقوع في الأخطاء، وليس هناك أي طريق آخر سوى هذا الطريق لتحسين الأوضاع في شتى المجالات في هذا الوطن، وكلّما قلت هذه الأخطاء زادت ألوان النجاح في كل مجال، فسعد بذلك الناس جميعًا، وهو ما نرجو، والله ولي التوفيق.