من مبادئ الإسلام المثلى نصرة المظلوم حينما يتعرض لأذى ظالم مستبد، ولا يردعه عن هذا الظلم إلا المقاومة الشرسة لرغباته الآثمة، التي تدعوه إلى ظلم الناس واستعبادهم، ففي كتاب الله من الآيات الناهية عن الظلم، المتوعِّدة بعقوبة الظالم في الدنيا والآخرة، ما لا يكاد أن يحصيه العدّ، فالظالمون أعدّ الله لهم عذابًا أليمًا، وليس لهم من حميم ولا شفيع يطاع، والله لا يُهلك إلا القوم الظالمين، وهم لا يفلحون أبدًا أينما توجّهوا، وعليهم لعنة الله التي تخصّهم دون سواهم، وهم إنما يؤخرون ليوم تشخص فيه الأبصار، فيكونون في الدرك الأسفل من النار، والقرى لا يهلكها الله إلا إن كان أهلها ظالمين،
فالتعبير عن الظلم وآثاره في كتاب الله عز وجل يجري على هذا النسق، ويجعل النفوس السويّة تنفر منه، لذا جاء الحديث فيما يرويه سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربنا عز وجل، حيث يقول: (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا) فالظلم عاقبته من أوخم العواقب، فما إن ينتشر في أمة، ويرضى به الناس ويصمتون عنه، إلا وابتلوا بالفتن، بعضها يتلو بعضًا، لذا قال ابن تيمية رحمه الله:(إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة)، فربنا عزّ وجلّ يقول:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) فالظلم سبب خراب البلاد وهلاك العباد، والعدل والظلم يُدرَك كلاهما بأدنى جهد عقلي، لهذا نجد تطاول مدد دول كافرة عدلت في أحكامها بين رعاياها، وتتقاصر مدد دول مسلمة لم تعدل بين رعاياها، وكان دومًا الظلم ديدنها، وقد هبت رياح التغيير على بعض الأوطان العربية، فقاومت شعوبها ألوانًا من الظلم، فقضت على الظلم والظالمين في بلادها، وهبّ الكثيرون من حملة الأقلام لمناصرة هذه الشعوب، فلما ثار الشعب السوري على الظلم، الذي عاش تحت نيره عقودًا، رأينا من هؤلاء الكتاب من ينحاز ضدّ الشعب السوري، ويناصر ظالميه ويصدّق ادعاءاتهم الباطلة ورأينا من البعض انحيازًا لهذا الظلم، وتأييدًا للنظام السوري وهو يفتك بشعبه، وهم الذين رأوا في حكم حزب البعث في العراق ظلمًا، وأيّدهم-آنذاك- الكل حتى زال حكمه إلى غير رجعة، فإذا بهم اليوم يؤيدونه في سوريا، مع أن فرعه فيها أشدّ قسوة في الظلم، وأصبحوا يتباكون على حكم عربي قومي، كانوا في الماضي من أشدّ أعدائه، ورغم كل ما جرى عبر أشهرٍ عديدة على أرض سوريا من دماء، لا يزال هؤلاء يراهنون على حكم ظالم، مآله طال الزمن أو قصر إلى الزوال، ومعهم أدعياء عروبة مزيفة، ومقاومة لم تحدث قط، وممانعة لم ولن تؤدي إلى نصر على العدو أبدًا، وعجبت لمن ينتصر للظالم، لمجرد أوهام تعشعش في رأسه، ولا وجود لها خارج ذهنه، فالحكم في سوريا منذ تولي الأب السلطة وحتى اليوم، ما حدث قط أنّه بادر إلى قتال العدو الصهيوني، وهو يحتلّ أرضه، ولم يوجِّه إليه قط رصاصة، واليوم والقتل في سوريا مستمر، والدماء تسيل عبر الشوارع والأزقة في عدد من المدن السورية، نجد من يناصر القاتل، ويحمّل القتيل مسؤولية ما يجري، وأقرأ اليوم لغسان بن جدو ما غيره مقالا في إحدى الصحف يعتمد المغالطات، ليهاجم قتلى السوريين، الذين انتهكت حقوقهم، ودون أن يخجل من هذا الردح والهجوم للمظلوم والثناء على الظالم، وكأنه يقول لنا: إنما أنا من صنع هذا الظالم ودفعني إلى الإعلام لأصنع منه نجمًا في غفلة من الزمن، فغسان ومثله تسلقوا أثناء هذه الغفلة إلى المنابر الإعلامية، فغابت عنها النزاهة والشفافية، وله أمثال اليوم يتدحرجون على ساحة الإعلام العربي لتغيب عنه الحقائق، ويمتلئ بالزيف فيلحق الناقد (غسان بن جدو) بالمنقود (عزمي بشارة) فكلاهما صناعة إعلامية رديئة في عصر رديء ولعلّنا لا نظلّ مخدوعين أبدًا، فهو ما أرجو والله ولي التوفيق.