أعظم الكبائر: “عقوق الوالدين”

كان الناس في أرض الإسلام كلها، إذا ذُكرت الكبائر من الذنوب ارتعدت فرائصهم؛ خوفًا من عذاب الله، وخشية من ضياع الدين إن انتشرت هذه الكبائر.
ثم يتأخر الزمان، ويعتاد بعض المسلمين المعاصي، وتتساوى عندهم صغائر الذنوب وكبائرها، حتى أن بعضهم أخذ يجاهر بأعظم الذنوب عقابًا، ولا يخشى أحدًا، ومن أنكر عليه ما يفعل صبّ جام غضبه عليه، وكأنه على الحق، ومنكرها على الباطل.


والملاحظ اليوم أن بعض هذه الكبائر يستهين الناس بها، ويرتكبونها ما دام قد أمنوا العقاب عليها في الدنيا، فها نحن نسمع كل يوم عن مصانع للخمر تُكتشف، وتهريب للخمور يُقبض على مهربيها وما معهم منها، وشرب الخمر إحدى الكبائر، وكان من يتوق لشربها يختفي بفضيحته عن أعين الناس حتى وهو خارج البلاد. واليوم يجاهر بأنه يشربها، بل ويبحث عمّن يبيحها له.
ويوم أن ظهرت لأول مرة ظاهرة الانتحار كوسيلة لمحاربة العدو في فلسطين، وظهرت الفتاوى بإجازتها، وهي تنتشر، وتستعملها الجماعات المتطرّفة، وتضع تلك الفتاوى على صفحاتها، رغم أن قتل النفس من الكبائر، والتي لها عقوبة شديدة في الآخرة.

وفي الآونة الأخيرة رأينا أحداثًا متتابعة لما قد يصبح ظاهرة إن لم نتعاون على بيان حكمها لشبابنا وشاباتنا، ودعوتهم إلى الابتعاد عنها، أعني ظاهرة عقوق الوالدين، والتي تنوّعت صورها في مجتمعنا اليوم، والتي أقلها أن يغلظ الأبناء الخطاب لوالديهم، ويعتبرونهما أقل علمًا وفهمًا، فلا يحسنون التعامل معهما، وأعلاها أن يعتدوا عليهما بالضرب المبرح أو القتل أحيانًا.
والله عز وجل يقول: (وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحسانًا إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا).

والنص لن تجد له مثيلاً في شرائع الأمم، فربنا عز وجل يقرن الإحسان إلى الوالدين بعبادته التي هي الوظيفة الأساس لعباده من خلقه، ويوصي عباده بالاهتمام بالوالدين حتى جعل التأفف من قول لهما، أو تصرف محرمًا، وكبيرة من كبائر الذنوب، وإذا مُنع الأدنى، فما فوقه ممنوع حتمًا، فالإساءة إليهما بالضرب، أو القتل، أو غيرهما جريمة تستحق أقصى العقوبة دنيا وأخرى، فلم يبق إلاّ الإحسان والقول الكريم، الذي يحافظ على كرامتهما ما داما يعيشان في كنف الابن، وخفض الجناح لهما أجمل تعبير أن يتواضع الأبناء لوالديهم ويكبروهما، فالتعبير بخفض الذل من الرحمة منتهى الإكرام للوالدين أن تذل لهما رحمة بهما في كبرهما، بل ولا يكفي كل هذا حتى تتذكر أنهما سبب وجودك المباشر، وأنهما ربّياك وأنت صغير لا تعتمد على نفسك، فحملاك وأحسنا إليك، وهذا أوان رد الجميل لهما.

وفي الحديث الصحيح ما روى عبدالرحمن بن بكرة عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ألا أنبئكم بأكبرالكبائر ثلاثًا، ثم قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور، وكان متكئًا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
فقرن الله الإشراك بالله أعلى الذنوب وأشدها حرمة وعقابًا بعقوق الوالدين، وهو الإساءة إليهما بكل لون من الإساءات حسية ومعنوية، فكأنهما في درجة واحدة، فكيف يستهين الناس في هذا العصر بعقوق الوالدين حتى يبلغ الأمر أن يقتل الابن أباه أو أمه، كما نشرت الصحف مؤخرًا ولا نستشعر الخطر ونضع الخطط لتتبع الأسباب وللقضاء على هذا العقوق ونشتغل بما هو أدنى.
وفي الحديث إشارة لما هو أعظم الذنوب بعد هذا، وهو قول الزور، وشهادة الزور وهما في زماننا منتشران، ويستهين بهما الناس، وهما أفتك الأمراض بالمجتمعات.

وإن لم نستطع عبر خطة علمية ودعوية من إشعار الخلق في بلادنا بعظم أثر الكبائر والفواحش على المجتمع المسلم حتى يصبح الفرد ترتعد فرائصه إذا سمع بالكبائر ترتكب في مجتمعه.
فاللهم اهدِ قومي إلى خير، واجمعهم على كلمة الحق؛ حتى يتعاونوا عليه، وينبذوا الشر، ويتعاونوا على القضاء عليه.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: